للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ، وَنُودِيَ فِي بَغْدَادَ أَنْ لَا أَمَانَ لِلْبَرَامِكَةِ وَلَا لِمَنْ آوَاهُمْ، إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنْ بَيْنِ الْبَرَامِكَةِ لِنُصْحِهِ لِلْخَلِيفَةِ.

وَأَتَى الرَّشِيدُ بِأَنَسِ بْنِ أَبِي شَيْخٍ - وَكَانَ يُتَّهَمُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مُصَاحِبًا لِجَعْفَرٍ الْبَرْمَكِيِّ - وَذَلِكَ لَيْلَةَ قُتِلَ جَعْفَرٌ، فَدَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ كَلَامٌ، فَأَخْرَجَ الرَّشِيدُ سَيْفًا مِنْ تَحْتِ فِرَاشِهِ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِهِ، وَجَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتٍ قِيلَ فِي أَنَسٍ قَبْلَ ذَلِكَ:

تَلَمَّظَ السَّيْفُ مِنْ شَوْقٍ إِلَى أَنَسٍ ... فَالسَّيْفُ يَلْحَظُ وَالْأَقْدَارُ تَنْتَظِرُ

فَضُرِبَتْ عُنُقُ أَنَسٍ، فَسَبَقَ السَّيْفُ الدَّمَ، فَقَالَ الرَّشِيدُ: رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُصْعَبٍ. فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ السَّيْفَ كَانَ سَيْفَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ. وَشُحِنَتِ السُّجُونُ بِالْبَرَامِكَةِ، وَاسْتُلِبَتْ أَمْوَالُهُمْ كُلُّهَا.

وَقَدْ كَانَ الرَّشِيدُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَتَلَ فِي آخِرِهِ جَعْفَرًا، هُوَ وَإِيَّاهُ رَاكِبَيْنِ فِي الصَّيْدِ، وَقَدْ خَلَا بِهِ دُونَ وُلَاةِ الْعُهُودِ، وَطَيَّبَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْغَالِيَةِ بِيَدِهِ، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَوَدَّعَهُ الرَّشِيدُ، ضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ خَلْوَتِي بِالنِّسَاءِ مَا فَارَقْتُكَ، فَاذْهَبْ إِلَى مَنْزِلِكَ وَاشْرَبْ وَاطْرَبْ لِتَكُونَ عَلَى مِثْلِ حَالِي. فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَشْتَهِي ذَلِكَ إِلَّا مَعَكَ. فَانْصَرَفَ عَنْهُ جَعْفَرٌ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ بَعْضُهُ حَتَّى أَوْقَعَ بِهِ مِنَ الْبَأْسِ وَالنَّكَالِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ السَّبْتِ آخَرَ لَيْلَةٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُسْتَهَلُّ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ. وَكَانَ عُمْرُ جَعْفَرٍ إِذْ ذَاكَ سَبْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.

وَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ إِلَى أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ بِقَتْلِهِ قَالَ: قَتَلَ اللَّهُ ابْنَهُ. وَلَمَّا قِيلَ لَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>