وَضَيَّقَ عَلَيْهِمُ الْمَسَالِكَ وَالْمَقَاصِدَ وَانْسَدَّتْ عَلَيْهِمْ أَبْوَابُ الْحِيَلِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ وَلَا حَلِيمٌ، ثُمَّ جَعَلَ الْمُخْتَارُ يُجِيلُ فِكْرَتَهُ وَيُكَرِّرُ رَوِيَّتَهُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي قَدْ حَلَّ بِهِ، وَاسْتَشَارَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمَوَالِي وَالْعَبِيدِ وَلِسَانُ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ يُنَادِيهِ {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: ٤٩] ثُمَّ قَوَّى عَزْمَهُ قُوَّةُ الشُّجَاعَةِ الْمُرَكَّبَةِ فِيهِ عَلَى أَنْ أَخْرَجَتْهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ مَنْ كَانَ يُحَالِفُهُ وَيُوَالِيهِ، وَرَأَى أَنْ يَمُوتَ عَلَى فَرَسِهِ، حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهَا انْقِضَاءُ آخَرِ نَفَسِهِ، فَنَزَلَ حَمِيَّةً وَغَضَبًا، وَشُجَاعَةً وَكَلَبًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَجِدُ مَنَاصًا وَلَا مَفَرًّا وَلَا مَهَرَبًا، وَلَيْسَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ سِوَى تِسْعَةَ عَشَرَ. وَلَعَلَّهُ إِنْ كَانَ قَدِ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ التِّسْعَةَ عَشَرَ الْمُوَكَّلُونَ بِسَقَرَ. وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْقَصْرِ قَالَ لِأَصْحَابِ مُصْعَبٍ: أَتُؤَمِّنُونِي؟ قَالُوا: لَا، إِلَّا عَلَى حُكْمِ الْأَمِيرِ. فَقَالَ: إِلَّا حُكْمَ نَفْسِي أَبَدًا. ثُمَّ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ شَقِيقَانِ أَخَوَانِ، وَهَمَا طَرَفَةُ، وَطَرَّافُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَجَاجَةَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، فَقَتَلَاهُ بِمَكَانِ الزَّيَّاتِينَ مِنَ الْكُوفَةِ وَاحْتَزَّا رَأْسَهُ وَأَتَيَا بِهِ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَدْ دَخَلَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا وُضِعَ رَأْسُ ابْنِ زِيَادٍ بَيْنَ يَدَيِ الْمُخْتَارِ، وَكَمَا وُضِعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute