وَلَمَّا اسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ عَلَى يَدَيْهِ، وَصَلُحَ أَمْرُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِ، كَتَبَ إِلَيْهِ الْمُعِزُّ الْفَاطِمِيُّ مِنْ مِصْرَ يَشْكُرُ سَعْيَهُ وَيَطْلُبُهُ إِلَيْهِ ; لِيَخْلَعَ عَلَيْهِ وَيَجْعَلَهُ نَائِبًا مِنْ جِهَتِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ وَخَافَ غَائِلَتَهُ، وَقَطَعَ خُطْبَتَهُ مِنَ الشَّامِ وَخَطَبَ لِلطَّائِعِ الْعَبَّاسِيِّ، ثُمَّ قَصَدَ صَيْدَا وَبِهَا خَلْقٌ مِنَ الْمَغَارِبَةِ عَلَيْهِمُ ابْنُ الشَّيْخِ، وَفِيهِمْ ظَالِمُ بْنُ مَوْهُوبٍ الْعُقَيْلِيُّ - الَّذِي كَانَ نَائِبًا عَلَى دِمَشْقَ لِلْمُعِزِّ الْفَاطِمِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، فَأَسَاءَ بِهِمُ السِّيرَةَ - فَحَاصَرَهُمْ، وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَخَذَ الْبَلَدَ مِنْهُمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنْ سَرَاتِهِمْ، ثُمَّ قَصَدَ طَبَرِيَّةَ فَفَعَلَ بِأَهْلِهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَزَمَ الْمُعِزُّ الْفَاطِمِيُّ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَقِتَالِهِ.
فَبَيْنَمَا هُوَ يَجْمَعُ لَهُ وَيُرَتِّبُ الْجُيُوشَ إِذْ تُوفِّيَ الْمُعِزُّ بِمِصْرَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَامَ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْعَزِيزُ، فَاطْمَأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ أَفْتِكِينُ بِالشَّامِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ، فَتَشَاوَرَ الْمِصْرِيُّونَ فِي أَمْرِهِ، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ بَعَثُوا جَوْهَرًا الْقَائِدَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ عَنْ رَأْيِ الْوَزِيرِ يَعْقُوبَ بْنِ كِلِّسٍ، فَلَمَّا تَجَهَّزَ جَوْهَرٌ الْقَائِدُ لِقَصْدِ الشَّامِ حَلَّفَ أَفْتِكِينُ أَهْلَ دِمَشْقَ عَلَى مُنَاصَرَتِهِ وَمُنَاصَحَتِهِ، فَحَلَفُوا لَهُ بِذَلِكَ.
وَجَاءَ جَوْهَرٌ فَحَصَرَ دِمَشْقَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ حَصْرًا شَدِيدًا، وَرَأَى مِنْ شَجَاعَةِ أَفْتِكِينَ مَا بَهَرَهُ، وَحِينَ طَالَ الْحَالُ أَشَارَ مَنْ أَشَارَ مِنَ الدَّمَاشِقَةِ عَلَى أَفْتِكِينَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْقِرْمِطِيِّ وَهُوَ بِالْأَحْسَاءِ ; لِيَجِيءَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ أَقْبَلَ لِنَصْرِهِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِ جَوْهَرٌ بِقُدُومِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَبْقَى بَيْنَ عَدُوَّيْنِ مِنْ دَاخِلِ الْبَلَدِ وَمِنْ خَارِجِهَا، فَارْتَحَلَ قَاصِدًا الرَّمْلَةَ فَتَبِعَهُ أَفْتِكِينُ وَالْقِرْمِطِيُّ فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا، فَتَوَاقَعُوا عِنْدَ نَهْرِ الطَّوَاحِينِ عَلَى ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الرَّمَلَةِ وَحَصَرُوا جَوْهَرًا بِالرَّمْلَةِ، فَضَاقَ حَالُهُ جِدًّا مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى أَشْرَفَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْهَلَاكِ، فَسَأَلَ أَنْ يَجْتَمِعَ هُوَ وَأَفْتِكِينُ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَرَفَّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute