قُلْتُ: أَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ قَبْلَهُ خَاتَمَ ذَهَبٍ، فَلَبِسَهُ حِينًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ، وَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ» . ثُمَّ اتَّخَذَ هَذَا الْخَاتَمَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ، وَنَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. " مُحَمَّدٌ " سَطْرٌ، وَ " رَسُولٌ " سَطْرٌ، وَ " اللَّهُ " سَطْرٌ، فَكَانَ فِي يَدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ فِي يَدِ عُمْرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، فَلَبِثَ فِي يَدِهِ سِتَّ سِنِينَ، ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ، فَاجْتَهَدَ فِي تَحْصِيلِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو دَاوُدَ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي " سُنَنِهِ " فِي الْخَاتَمِ وَحْدَهُ، وَسَنُورِدُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ. وَأَمَّا لُبْسُ مُعَيْقِبٍ لِهَذَا الْخَاتَمِ فَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا نُقِلَ أَنَّهُ أَصَابَهُ الْجُذَامُ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ، فَلَعَلَّهُ أَصَابَهُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَانَ بِهِ وَكَانَ مِمَّا لَا يُعْدَى مِنْهُ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِقُوَّةِ تَوَكُّلِهُ، كَمَا قَالَ لِذَلِكَ الْمَجْذُومِ - وَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْقَصْعَةِ - «كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا أُمَرَاؤُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ عِنْدَ بَعْثِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute