للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْشَى إِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَكَ شَيْءٌ أَنْ تَبِيعَهَا ثَانِيَةً مِمَّنْ لَا يَرُدُّهَا عَلَيْكَ. فَقَالَ: يَا سَيِّدِي، فَهَذَا الْحُلِيُّ وَالْمَصَاغُ الَّذِي عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ وَهَبْنَاهُ لَهَا لَا نَعُودُ فِيهِ أَبَدًا. فَاشْتَدَّ فَرَحُ الْفَتَى، وَأَخَذَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا وَدَّعَ ابْنُ أَبِي حَامِدٍ قَالَ لِلْجَارِيَةِ: أَيُّمَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكِ ; نَحْنُ أَوْ سَيِّدُكِ هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَمَّا أَنْتُمْ فَأَغْنَيْتُمُونِي، فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَمَّا سَيِّدِي هَذَا، فَلَوْ أَنِّي مَلَكْتُ مِنْهُ مَا مَلَكَ مِنِّي لَمْ أَبِعْهُ بِالْأَمْوَالِ الْجَزِيلَةِ. فَاسْتَحْسَنَ الْحَاضِرُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهَا مَعَ صِغَرِ سِنِّهَا.

شَغَبُ أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ الْمُلَقَّبَةُ بِالسَّيِّدَةِ

كَانَ دَخْلُ أَمْلَاكِهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِأَكْثَرِ ذَلِكَ عَلَى الْحَجِيجِ فِي أَشْرِبَةٍ وَأَزْوَادٍ وَأَطِبَّاءَ يَكُونُونَ مَعَهُمْ، وَتَسْهِيلِ الطُّرُقَاتِ وَالْمَوَارِدِ.

وَكَانَتْ فِي غَايَةِ الْحِشْمَةِ وَالرِّيَاسَةِ وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ أَيَّامَ خِلَافَةِ وَلَدِهَا، فَلَمَّا قُتِلَ كَانَتْ مَرِيضَةً فَزَادَهَا مَرَضًا إِلَى مَرَضِهَا، وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْقَاهِرِ فِي الْخِلَافَةِ - وَهُوَ ابْنُ زَوْجِهَا الْمُعْتَضِدِ وَأَخُو ابْنِهَا، وَقَدْ كَانَتْ حَضَنَتْهُ حِينَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، وَخَلَّصَتْهُ مِنَ ابْنِهَا لَمَّا كَانَ مُؤْنِسٌ قَدْ بَايَعَهُ وَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ - عَاقَبَهَا الْقَاهِرُ عُقُوبَةً عَظِيمَةً جِدًّا، حَتَّى كَانَ يُعَلِّقُهَا بِرِجْلِهَا وَرَأْسُهَا مَنْكُوسٌ، فَرُبَّمَا بَالَتْ، فَيَنْحَدِرُ عَلَى وَجْهِهَا ; لِيُقَرِّرَهَا عَلَى الْأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدِهَا، فَلَمْ يَجِدْ لَهَا شَيْئًا سِوَى ثِيَابِهَا وَمَصَاغِهَا وَحُلِيِّهَا فِي صَنَادِيقَ لَهَا، قِيمَتُهَا مِائَةُ أَلْفٍ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَجَمِيعُ مَا كَانَ يَدْخُلُهَا تَتَصَدَّقُ بِهِ، وَوَقَفَتْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَكِنْ كَانَ لَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>