للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]

ذَكَرْتُ فِي " التَّفْسِيرِ " عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٨٤] . أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا أَنْ لَا يَفِرَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا وَاجَهُوهُ، وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ، مِنْ قَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء: ٨٤] وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَصْبَرِ النَّاسِ وَأَجْلِدِهِمْ، مَا فَرَّ قَطُّ مِنْ مَصَافَّ وَلَوْ تَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ. قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: كُنَّا إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ وَحَمِيَ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفِي يَوْمِ بَدْرٍ رَمَى أَلْفَ مُشْرِكٍ بِقَبْضَةٍ مِنْ حَصْبَاءَ، فَنَالَتْهُمْ أَجْمَعِينَ حِينَ قَالَ: ( «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفَرَّ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي مُقَامِهِ لَمْ يَبْرَحْ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ، قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ، وَبَقِيَ الْخَمْسَةُ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ قُتِلَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ، فَعَجَّلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَلَّى النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ اثَّنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَثَبَتَ هُوَ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ يَوْمَئِذٍ بَغْلَتَهُ، وَهُوَ يَرْكُضُ بِهَا إِلَى نَحْوِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ يُنَوِّهُ بِاسْمِهِ الْكَرِيمِ وَيُعْلِنُ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>