للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بْنِ الْجَوْزِيِّ، وَكَانَ عَدُوَّ الْوَزِيرِ، وَقُتِلَ أَوْلَادُهُ الثَّلَاثَةُ; عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ، وَأَكَابِرُ الدَّوْلَةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ الدُّوَيْدَارُ الصَّغِيرُ مُجَاهِدُ الدِّينِ أَيْبَكُ، وَشِهَابُ الدِّينِ سُلَيْمَانُ شَاهْ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ السُّنَّةِ وَأَكَابِرِ الْبَلَدِ.

وَكَانَ الرَّجُلُ يُسْتَدْعَى بِهِ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَيَخْرُجُ بِأَوْلَادِهِ وَنِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى مَقْبَرَةِ الْخَلَّالِ، تُجَاهَ الْمَنْظَرَةِ، فَيُذْبَحُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَيُؤْسَرُ مَنْ يَخْتَارُونَ مِنْ بَنَاتِهِ وَجَوَارِيهِ.

وَقُتِلَ شَيْخُ الشُّيُوخِ مُؤَدِّبُ الْخَلِيفَةِ صَدْرُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ النَّيَّارِ، وَقُتِلَ الْخُطَبَاءُ وَالْأَئِمَّةُ، وَحَمَلَةُ الْقُرْآنِ، وَتَعَطَّلَتِ الْمَسَاجِدُ وَالْجَمَاعَاتُ وَالْجُمُعَاتُ مُدَّةَ شُهُورٍ بِبَغْدَادَ، وَأَرَادَ الْوَزِيرُ ابْنُ الْعَلْقَمِيِّ، قَبَّحَهُ اللَّهُ وَلَعَنَهُ، أَنْ يُعَطِّلَ الْمَسَاجِدَ وَالْمَدَارِسَ وَالرُّبَطَ بِبَغْدَادَ، وَيَسْتَمِرَّ بِالْمَشَاهِدِ وَمَحَالِّ الرَّفْضِ، وَأَنْ يَبْنِيَ لِلرَّافِضَةِ مَدْرَسَةً هَائِلَةً يَنْشُرُونَ عِلْمَهُمْ وَعَلَمَهُمْ بِهَا وَعَلَيْهَا، فَلَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، بَلْ أَزَالَ نِعْمَتَهُ عَنْهُ، وَقَصَفَ عُمْرَهُ بَعْدَ شُهُورٍ يَسِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَأَتْبَعَهُ بِوَلَدِهِ فَاجْتَمَعَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - بِالدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.

وَلَمَّا انْقَضَى أَمَدُ الْأَمْرِ الْمَقْدُورِ، وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ يَوْمًا بَقِيَتْ بَغْدَادُ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا الشَّاذُّ مِنَ النَّاسِ، وَالْقَتْلَى فِي الطُّرُقَاتِ كَأَنَّهَا التُّلُولُ، وَقَدْ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرُ، فَتَغَيَّرَتْ صُوَرُهُمْ، وَأَنْتَنَتِ الْبَلَدُ مِنْ جِيَفِهِمْ، وَتَغَيَّرَ الْهَوَاءُ، فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ الْوَبَاءُ الشَّدِيدُ، حَتَّى تَعَدَّى وَسَرَى فِي الْهَوَاءِ إِلَى بِلَادِ الشَّامِ، فَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ تَغَيُّرِ الْجَوِّ وَفَسَادِ الرِّيحِ، فَاجْتَمَعَ عَلَى النَّاسِ الْغَلَاءُ وَالْوَبَاءُ وَالْفِنَاءُ وَالطَّعْنُ وَالطَّاعُونُ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

وَلَمَّا نُودِيَ بِبَغْدَادَ بِالْأَمَانِ خَرَجَ مَنْ كَانَ تَحْتِ الْأَرْضِ بِالْمَطَامِيرِ وَالْقُنِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>