بِمَيْدَانَ الْحَصَى، وَأَظْهَرُوا مُخَالَفَةَ الْعَادِلِ وَطَاعَةَ الْمَنْصُورِ لَاجِينَ بِمِصْرَ، وَرَكِبَ إِلَيْهِ الْأُمَرَاءُ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ، وَفَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، فَضَعُفَ أَمْرُ الْعَادِلِ جِدًّا. فَلَمَّا رَأَى انْحِلَالَ أَمْرِهِ قَالَ لِلْأُمَرَاءِ: هُوَ خُشْدَاشِيٌّ، وَأَنَا وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَأَنَا لَهُ سَامِعٌ مُطِيعٌ، وَأَنَا أَجْلِسُ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنَ الْقَلْعَةِ أَرَادَ، حَتَّى تُكَاتِبُوهُ وَتَنْظُرُوا مَا يَقُولُ. وَجَاءَتِ الْبَرِيدِيَّةُ بِالْمُكَاتَبَاتِ بِأَمْرِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَعَلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ، وَبَقِيَ النَّاسُ فِي هَرْجٍ وَأَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَبْوَابُ الْقَلْعَةِ مُغْلَقَةٌ، وَأَبْوَابُ الْمَدِينَةِ سِوَى بَابِ النَّصْرِ إِلَّا الْخَوْخَةَ، وَالْعَامَّةُ حَوْلَ الْقَلْعَةِ قَدِ ازْدَحَمُوا حَتَّى سَقَطَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي الْخَنْدَقِ، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ، وَأَمْسَى النَّاسُ عَشِيَّةَ السَّبْتِ، وَقَدْ أُعْلِنَ بِاسْمِ الْمَلِكِ الْمَنْصُورِ لَاجِينَ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَدَعَا لَهُ الْمُؤَذِّنُونَ فِي سَحَرِ لَيْلَةِ الْأَحَدِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ، وَتَلَوْا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: ٢٦] .
وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَحَدِ، فَاجْتَمَعَ الْقُضَاةُ وَالْأُمَرَاءُ، وَفِيهِمْ غُرْلُو الْعَادِلِيُّ بِدَارِ السَّعَادَةِ، فَحَلَفُوا لِلْمَنْصُورِ لَاجِينَ، وَنُودِيَ بِذَلِكَ فِي الْبَلَدِ، وَأَنْ يَفْتَحَ النَّاسُ دَكَاكِينَهُمْ، وَاخْتَفَى الصَّاحِبُ شِهَابُ الدِّينِ وَأَخُوهُ زَيْنُ الدِّينِ الْمُحْتَسِبُ، فَعَمِلَ الْوَالِي ابْنُ النَّشَّابِيِّ حِسْبَةَ الْبَلَدِ، ثُمَّ ظَهَرَ زَيْنُ الدِّينِ، فَبَاشَرَهَا عَلَى عَادَتِهِ. وَكَذَلِكَ ظَهَرَ أَخُوهُ شِهَابُ الدِّينِ، وَسَافَرَ الْأَمِيرُ سَيْفُ الدِّينِ غُرْلُو وَسَيْفُ الدِّينِ جَاغَانُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يُعْلِمَانِ السُّلْطَانَ بِوُقُوعِ التَّحْلِيفِ عَلَى مَا رَسَمَ بِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute