للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ لَمَّا ... غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ

وَكَانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ مِنْهَا ... كَآدَمَ حِينَ أَخْرَجَهُ الضِّرَارُ

فَلَوْ أَنِّي مَلَكْتُ يَدِي وَقَلْبِي ... لَكَانَ عَلَيَّ لِلْقَدَرِ الْخِيَارُ

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: لَمَّا مَاتَتِ النَّوَارُ بِنْتُ أَعْيَنَ بْنِ ضُبَيْعَةَ الْمُجَاشِعِيُّ امْرَأَةُ الْفَرَزْدَقِ وَكَانَتْ قَدْ أَوْصَتْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فَشَهِدَهَا أَعْيَانُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْحَسَنُ عَلَى بَغْلَتِهِ وَالْفَرَزْدَقُ عَلَى بَعِيرِهِ فَسَارَا، فَقَالَ الْحَسَنُ، لِلْفَرَزْدَقِ: مَاذَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَهِدَ هَذِهِ الْجِنَازَةَ الْيَوْمَ خَيْرُ النَّاسِ. يَعْنُونَكَ، وَ: شَرُّ النَّاسِ. يَعْنُونِي. فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا فِرَاسٍ لَسْتُ بِخَيْرِ النَّاسِ، وَلَسْتَ بِشَرِّ النَّاسِ. ثُمَّ قَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ؟ قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُنْذُ ثَمَانِينَ سَنَةً. فَلَمَّا أَنْ صَلَّى عَلَيْهَا الْحَسَنُ مَالُوا إِلَى قَبْرِهَا لِدَفْنِهَا، فَأَنْشَأَ الْفَرَزْدَقُ يَقُولُ:

أَخَافُ وَرَاءَ الْقَبْرِ إِنْ لَمْ يُعَافِنِي ... أَشَدَّ مِنَ الْقَبْرِ الْتِهَابًا وَأَضْيَقَا

إِذَا جَاءَنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَائِدٌ ... عَنِيفٌ وَسَوَّاقٌ يَسُوقُ الْفَرَزْدَقَا

لَقَدْ خَابَ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَنْ مَشَى ... إِلَى النَّارِ مَغْلُولَ الْقِلَادَةِ أَزْرَقَا

يُسَاقُ إِلَى نَارِ الْجَحِيمِ مُسَرْبَلًا ... سَرَابِيلَ قَطْرَانٍ لِبَاسًا مُخَرَّقَا

<<  <  ج: ص:  >  >>