للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعْفَرًا الْخُلْدِيَّ، وَعَنْهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَلَّالُ، وَكَانَ ثِقَةً أَمِينًا صَالِحًا عَابِدًا زَاهِدًا، لَهُ قِيَامُ لَيْلٍ، وَكَرِيمُ أَخْلَاقٍ. مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى الثَّمَانِينَ، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْبٍ.

بَدْرُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، أَبُو النَّجْمِ الْكُرْدِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ بِنَاحِيَةِ الدِّينَوَرِ وَهَمَذَانَ، لَهُ سِيَاسَةٌ وَصَدَقَةٌ كَثِيرَةٌ، كَنَّاهُ الْقَادِرُ بِاللَّهِ أَبَا النَّجْمِ، وَلَقَّبَهُ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَأَنْفَذَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَتْ أَعْمَالُهُ فِي غَايَةِ الْأَمْنِ، بِحَيْثُ إِذَا أَعْيَا جَمَلُ أَحَدٍ مِنَ الْمُسَافِرِينَ فَتَرَكَهُ بِمَا عَلَيْهِ فِي الْبَرِّيَّةِ، رُدَّ إِلَيْهِ - وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ - بِمَا كَانَ عَلَيْهِ لَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَلَمَّا عَاثَتْ أُمَرَاؤُهُ فِي الْبِلَادِ فَسَادًا عَمِلَ لَهُمْ ضِيَافَةً حَسَنَةً، فَقَدَّمَهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَأْتِهِمْ بِخُبْزٍ، فَجَلَسُوا يَنْتَظِرُونَ الْخُبْزَ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ سَأَلُوا عَنْهُ، فَقَالَ: إِذَا كُنْتُمْ تُهْلِكُونَ الْحَرْثَ، فَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ بِخُبْزٍ؟ ! ثُمَّ قَالَ: لَا أَسْمَعُ بِأَحَدٍ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا أَرَقْتَ دَمَهُ.

وَاجْتَازَ مَرَّةً فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِرَجُلٍ قَدْ حَمَلَ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي كَانَ مَعِي رَغِيفَانِ أُرِيدُ أَنْ أَتَقَوَّتَ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا مِنِّي بَعْضُ الْجُنْدِ. فَقَالَ لَهُ: أَتَعْرِفُهُ إِذَا رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَوَقَفَ بِهِ فِي مَضِيقٍ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ الْجُنْدُ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الرَّغِيفَيْنِ، قَالَ: هَذَا هُوَ. فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَأَنْ يَحْمِلَ هَذِهِ الْحُزْمَةَ مِنَ الْحَطَّابِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ ذَلِكَ بِمَالٍ جَزِيلٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، حَتَّى تَأَدَّبَ بِهِ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>