للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّفَقَتْ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ لِبَعْضِ السُّؤَّالِ، وَهُوَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَبْلَ الْفَجْرِ لِيَأْخُذُوا خُبْزًا مِنْ صَدَقَةِ تُرْبَةِ امْرَأَةِ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ تَنْكِزَ عِنْدَ بَابِ الْخَوَّاصِينَ، فَتُضَارِبُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَعَمَدُوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَخَنَقُوهُ خَنْقًا شَدِيدًا، وَأَخَذُوا مِنْهُ جِرَابًا فِيهِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَشَيْءٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَذَهَبُوا عَلَى حَمِيَّةٍ، وَأَفَاقَ هُوَ مِنَ الْغَشْيِ فَلَمْ يَجِدْهُمْ، وَاشْتَكَى أَمْرَهُ إِلَى مُتَوَلِّي الْبَلَدِ، فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِمْ إِلَى الْآنَ. وَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي أَخَذُوا مِنْهُ; أَنَّهُمْ أَخَذُوا مِنْهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مُعَامَلَةً، وَأَلْفَ دِرْهَمٍ بُنْدُقِيَّةً، وَدِينَارَيْنِ وَزْنُهُمَا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ - كَذَا قَالَ لِي إِنْ كَانَ صَادِقًا.

وَفِي صَبِيحَةِ يَوْمِ السَّبْتِ خَامِسِ جُمَادَى الْأُولَى طَلَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ الشَّيْخَ عَلِيَّ بْنَ الْبَنَّا، وَقَدْ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ عَلَى الْعَوَامِّ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَعْظِيَّاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ صَدْرِهِ، فَكَأَنَّهُ تَعَرَّضَ فِي غُضُونِ كَلَامِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَأُحْضِرَ فَاسْتُتِيبَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنَعَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْكَفْرِيُّ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى النَّاسِ، وَسَجَنَهُ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ حَكَمَ بِإِسْلَامِهِ، وَأَطْلَقَهُ مِنْ يَوْمِهِ. وَهَذَا الْمَذْكُورُ ابْنُ الْبَنَّا عِنْدَهُ زَهَادَةٌ وَتَقَشُّفٌ، وَهُوَ مِصْرِيٌّ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ وَيَقْرَؤُهُ، وَيَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَعْظِيَّاتِ، وَالرَّقَائِقِ، وَضَرْبِ أَمْثَالٍ، وَقَدْ مَالَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعَوَامِّ، وَاسْتَحَلَوْهُ، وَكَلَامُهُ قَرِيبٌ إِلَى مَفْهُومِهِمْ، وَرُبَّمَا أَضْحَكَ فِي كَلَامِهِ وَحَاضِرَتِهِ، وَهُوَ مَطْبُوعٌ قَرِيبٌ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>