للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَلَدِ، وَانْقَضَى النَّهَارُ، وَكَانَ يَوْمًا مُزْعِجًا هَائِلًا.

وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمَ الْأَحَدِ يَتَحَدَّثُونَ بِكَسْرِ التَّتَرِ، وَخَرَجَ نَاسٌ إِلَى نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، فَرَجَعُوا وَمَعَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَكَاسِبِ، وَرُءُوسِ التَّتَرِ، وَصَارَتْ أَدِلَّةُ كَسْرَةِ التَّتَرِ تَقْوَى وَتَتَزَايَدُ قَلِيلًا، حَتَّى اتَّضَحَتْ جُمْلَةً، وَلَكِنَّ النَّاسَ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَكَثْرَةِ التَّتَرِ لَا يُصَدِّقُونَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الظُّهْرِ، قُرِئَ كِتَابُ السُّلْطَانِ إِلَى مُتَوَلِّي الْقَلْعَةِ يُخْبِرُ فِيهِ بِاجْتِمَاعِ الْجَيْشِ ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ بِشَقْحَبٍ وَبِالْكُسْوَةِ، ثُمَّ جَاءَتْ بِطَاقَةٌ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ نَائِبِ السُّلْطَانِ جَمَالِ الدِّينِ آقُوشَ الْأَفْرَمِ إِلَى نَائِبِ الْقَلْعَةِ، مَضْمُونُهَا أَنَّ الْوَقْعَةَ كَانَتْ مِنَ الْعَصْرِ يَوْمَ السَّبْتِ إِلَى السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَأَنَّ السَّيْفَ كَانَ يَعْمَلُ فِي رِقَابِ التَّتَرِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَنَّهُمْ هَرَبُوا وَفَرُّوا، وَاعْتَصَمُوا بِالْجِبَالِ وَالتِّلَالِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، فَأَمْسَى النَّاسُ وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ خَوَاطِرُهُمْ، وَتَبَاشَرُوا بِهَذَا الْفَتْحِ الْعَظِيمِ وَالنَّصْرِ الْمُبَارَكِ، وَدَقَّتِ الْبَشَائِرُ بِالْقَلْعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ الْمَذْكُورِ، وَنُودِيَ بَعْدَ الظُّهْرِ بِإِخْرَاجِ الْجُفَّالِ مِنَ الْقَلْعَةِ لِأَجْلِ نُزُولِ السُّلْطَانِ، فَشَرَعُوا فِي الْخُرُوجِ.

وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ رَابِعِ الشَّهْرِ رَجَعَ النَّاسُ مِنَ الْكُسْوَةِ إِلَى دِمَشْقَ فَبَشَّرُوا النَّاسَ بِالنَّصْرِ. وَفِيهِ دَخَلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْبَلَدَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، مِنَ الْجِهَادِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِهِ، وَدَعَوْا لَهُ، وَهَنَّئُوهُ بِمَا يَسَّرَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ نَدَبَهُ الْعَسْكَرُ الشَّامِيُّ أَنْ يَسِيرَ إِلَى السُّلْطَانِ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى السَّيْرِ إِلَى دِمَشْقَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَحَثَّهُ عَلَى الْمَجِيءِ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَ أَنْ كَادَ يَرْجِعُ إِلَى مِصْرَ، فَجَاءَ هُوَ وَإِيَّاهُ جَمِيعًا، فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ مِنْ جَيْشِ الشَّامِ لَا نَقِفُ إِلَّا مَعَهُمْ، وَحَرَّضَ السُّلْطَانَ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَشَّرَهُ بِالنَّصْرِ، وَجَعَلَ يَحْلِفُ لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>