للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَكَنَ الشَّامَ وَلَهُ أَوْقَافٌ مَشْهُورَةٌ بِالْيَمَنِ وَمَكَّةَ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْمَدْرَسَةُ الزَّنْجِيلِيَّةُ، خَارِجَ بَابِ تُومَا، تُجَاهَ دَارِ الطَّعْمِ، وَكَانَ قَدْ حَصَّلَ مِنْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَةً جِدًّا.

وَفِيهَا غَدَرَتِ الْفِرِنْجُ وَنَقَضُوا عُهُودَهُمْ، وَقَطَعُوا السُّبُلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَرًّا وَبَحْرًا، وَسِرًّا وَجَهْرًا، فَأَمْكَنَ اللَّهُ مِنْ بُطْسَةٍ عَظِيمَةٍ لَهُمْ فِيهَا نَحْوٌ مِنْ أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ نَفْسٍ مِنْ رِجَالِهِمُ الْمَعْدُودِينَ فِيهِمْ، أَلْقَاهَا الْمَوْجُ إِلَى ثَغْرِ دِمْيَاطَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّلْطَانِ مِنْ مِصْرَ، فَأُحِيطَ بِهَا فَغَرِقَ بَعْضُهُمْ وَحَصَلَ فِي الْأَسْرِ نَحْوُ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْهُمْ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَفِيهَا سَارَ قَرَاقُوشُ إِلَى بِلَادِ إِفْرِيقِيَّةَ، فَفَتَحَ بِلَادًا كَثِيرَةً، وَقَاتَلَ عَسْكَرَ ابْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ هُنَاكَ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَمَالِيكِ تَقِيِّ الدِّينِ عُمَرَ ابْنِ أَخِي السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِأَنْ يُتِمَّ السُّورَ الْمُحِيطَ بِالْقَاهِرَةِ وَمِصْرَ، وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ عَهْدِهِ بِهَا حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بَعْدَ أَنْ أَرَاهُ اللَّهُ مُنَاهُ قَبْلَ حُلُولِ الْوَفَاةِ، فَأَقَرَّ عَيْنَهُ مِنْ أَعْدَاهُ، وَفَتَحَ عَلَى يَدِهِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ وَمَا حَوَاهُ، وَلَمَّا خَيَّمَ بَارِزًا مِنْ مِصْرَ، أَحْضَرَ أَوْلَادَهُ حَوْلَهُ فَجَعَلَ يَشُمُّهُمْ وَيُقَبِّلُهُمْ وَيَضُمُّهُمْ، فَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:

تَمَتَّعْ مِنْ شَمِيمِ عَرَارِ نَجْدٍ ... فَمَا بَعْدَ الْعَشِيَّةِ مِنْ عَرَارِ

فَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ، لَمْ يَعُدْ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ، بَلْ كَانَ مُقَامُهُ بِالشَّامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>