للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلِكِ الصَّالِحِ فِي شَوَّالٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الرَّقَّةِ فَنَزَلَهَا، وَجَاءَتْهُ رُسُلُ أَخِيهِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُقَايِضَهُ مِنْ حَلَبَ إِلَى سِنْجَارَ، وَأَلَحَّ فِي ذَلِكَ، وَتَمَنَّعَ أَخُوهُ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ حَلَبَ وَسَلَّمَهُ عِمَادُ الدِّينِ سِنْجَارَ وَالْخَابُورَ وَالرَّقَّةَ وَنَصِيبِينَ وَسَرُوجَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْبِلَادِ.

وَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ رَكِبَ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي عَسَاكِرِهِ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْفُرَاتَ فَعَبَرَهَا، وَخَامَرَ إِلَيْهِ بَعْضُ أُمَرَاءِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ فَتَقَهْقَرَ عَنْ لِقَائِهِ، فَاسْتَحْوَذَ صَلَاحُ الدِّينِ عَلَى بِلَادِ الْجَزِيرَةِ بِكَمَالِهَا، وَهُمْ بِمُحَاصَرَةِ الْمَوْصِلِ فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَلَبَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيٍّ ; لِضِعْفِهِ عَنْ مُمَانَعَتِهَا ; لِقِلَّةِ مَا تَرَكَ فِيهَا عِزُّ الدِّينِ مِنَ الْأَسْلِحَةِ وَآلَاتِ الْقِتَالِ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَمَ الْبِرِنْسُ صَاحِبُ الْكَرَكِ لَعَنَهُ اللَّهُ، عَلَى قَصْدِ تَيْمَاءَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ; لِيَتَوَصَّلَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَجُهِّزَتْ لَهُ سَرِيَّةٌ مِنْ دِمَشْقَ تَكُونُ حَاجِزَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِجَازِ، فَصَدَّهُ ذَلِكَ عَنْ قَصْدِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَفِيهَا وَلَّى السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَاهُ سَيْفَ الْإِسْلَامِ ظَهِيرَ الدِّينِ طُغْتِكِينَ بْنَ أَيُّوبَ نِيَابَةَ الْيَمَنِ فَمَلَّكَهُ عَلَيْهَا، وَأَرْسَلَهُ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ نُوَّابِهَا وَاضْطِرَابِ أَصْحَابِهَا، بَعْدَ وَفَاةِ الْمُعَظَّمِ تُورَانْشَاهْ أَخِي السُّلْطَانِ الَّذِي كَانَ افْتَتَحَهَا، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِهَا، وَكَثُرَ التَّخْلِيطُ وَالتَّخْبِيطُ، سَمَتْ نَفْسُ أَخِيهِ طُغْتِكِينَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَهُ أَخُوهُ إِلَيْهَا وَوَلَّاهُ عَلَيْهَا، فَسَارَ فَوَصَلَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، فَسَارَ فِيهَا أَحْسَنَ سِيرَةٍ، وَأَكْمَلَ بِهَا الْمَعْدَلَةَ وَالسَّرِيرَةَ، وَاحْتَاطَ عَلَى أَمْوَالِ حَطَّانِ بْنِ مُنْقِذٍ نَائِبِ زَبِيدَ وَكَانَتْ تُقَارِبُ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا نَائِبُ عَدَنَ فَخْرُ الدِّينِ عُثْمَانُ الزَّنْجِيلِيُّ فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ قَبْلَ قُدُومِ طُغْتِكِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>