فَصْلٌ (إِذَا قَامَ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَدُوا الْأَرْضَ غَيْرَ صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا)
فَإِذَا قَامَ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَدُوا الْأَرْضَ غَيْرَ صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَفَارَقُوهَا، قَدْ دُكَّتْ جِبَالُهَا، وَزَالَتْ تِلَالُهَا، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهَا، وَانْقَطَعَتْ أَنْهَارُهَا، وَبَادَتْ أَشْجَارُهَا، وَمَسَاكِنُهَا، وَمُدُنُهَا، وَبِلَادُهَا، وَسُجِّرَتْ بِحَارُهَا، وَتَسَاوَتْ وِهَادُهَا، وَرُبَاهَا، وَخَرِبَتْ مَدَائِنُهَا، وَقُرَاهَا، وَزَالَتْ قُصُورُهَا، وَبُيُوتُهَا، وَأَسْوَاقُهَا، وَزُلْزِلَتْ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتْ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ: مَالَهَا؟! يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، وَكَذَلِكَ يَجِدُونَ السَّمَاوَاتِ قَدْ بُدِّلَتْ، وَنُجُومُهَا قَدِ انْكَدَرَتْ وَانْتَثَرَتْ، وَنَوَاحِيهَا قَدْ تَشَقَّقَتْ، وَأَرْجَاؤُهَا قَدْ تَفَطَّرَتْ، وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى أَرْجَائِهَا قَدْ أَحْدَقَتْ، وَشَمْسُهَا وَقَمَرُهَا مَكْسُوفَانِ، بَلْ مَخْسُوفَانِ، وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مَجْمُوعَانِ، ثُمَّ يُكَوَّرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُلْقَيَانِ فِي النَّارِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَنُورِدُهُ فِي «النِّيرَانِ» كأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ.
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى الْأَرْضِ غَيْرَ الْأَرْضِ الَّتِي عَهِدُوهَا، وَإِلَى النَّاسِ غَيْرَ النَّاسِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ وَيَعْهَدُونَ. قَالَ: ثُمَّ تَمَثَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ الَّذِينَ عَهِدْتَهُمْ … وَلَا الدَّارُ بِالدَّارِ الَّتِي كُنْتَ تَعْرِفُ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٨]. وَقَالَ: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا الطُّورِ: [٩، ١٠]. وَقَالَ: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute