الْبَصْرَةِ وَنُهِبَتْ دَارُ قَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيِّ، وَهَلَكَ أَكْثَرُ السِّجِلَّاتِ وَالْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ وَأُبِيعَتْ لِلْعَطَّارِينَ، وَنُهِبَتْ دُورُ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْخَلِيفَةِ، وَأَعَادَتِ الرَّوَافِضُ الْأَذَانَ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَأُذِّنَ بِهِ فِي سَائِرِ جَوَامِعِ بَغْدَادَ فِي الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَخُطِبَ بِبَغْدَادَ لِلْمُسْتَنْصِرِ الْعُبَيْدِيِّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْفَاطِمِيُّ، عَلَى مَنَابِرِ بَغْدَادَ وَضُرِبَتْ لَهُ السِّكَّةُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَحُوصِرَتْ دَارُ الْخِلَافَةِ، فَحَاجَفَ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمُسْلِمَةِ الْمُلَقَّبُ بِرَئِيسِ الرُّؤَسَاءِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْتَخْدِمِينَ دُونَهَا، فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ بِالسَّوَادِ وَالْبُرْدَةِ عَلَى كَتِفِهِ، وَعَلَى رَأْسِهِ اللِّوَاءُ، وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مُصَلَّتٌ، وَحَوْلَهُ زُمْرَةٌ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ، وَالْجَوَارِي حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ، نَاشِرَاتٍ شُعُورَهُنَّ، مَعَهُنَّ الْمَصَاحِفُ عَلَى رُءُوسِ الرِّمَاحِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْخَدَمُ بِالسُّيُوفِ الْمُسَلَّلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْخَلِيفَةَ أَخَذَ ذِمَامًا مِنْ أَمِيرِ الْعَرَبِ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَزِيرِهِ ابْنِ الْمُسْلِمَةِ فَأَمَّنَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنْزَلَهُ فِي خَيْمَةٍ، فَلَامَهُ الْبَسَاسِيرِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَا كَانَ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنْ أَنَّكَ لَا تَسْتَبِدُّ بِرَأْيِ دُونِي وَلَا أَنَا دُونَكَ، وَمَهْمَا مَلَكْنَا فَبَيْنِي وَبَيْنَكَ. وَاسْتَحْضَرَ الْبَسَاسِيرِيُّ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ مُسْلِمَةَ فَوَبَّخَهُ تَوْبِيخًا، وَلَامَهُ لَوْمًا شَدِيدًا، ثُمَّ ضَرَبَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا، وَاعْتَقَلَهُ مُهَانًا عِنْدَهُ، وَنَهَبَتِ الْعَامَّةُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَلَا يُحْصَى مَا أَخَذُوا مِنْهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالنَّفَائِسِ وَالدِّيبَاجِ وَالْأَثَاثِ وَالثِّيَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوصَفُ.
ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُ الْبَسَاسِيرِيِّ وَقُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ عَلَى تَسْيِيرِ الْخَلِيفَةِ مِنْ بَغْدَادَ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى أَمِيرِ حَدِيثَةِ عَانَةَ - وَهُوَ مُهَارِشُ بْنُ مُجَلِّي الْبَدَوِيُّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمِّ قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ، وَكَانَ رَجُلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute