وَأَصَمَّ الْأَسْمَاعَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ شَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ جِدًّا، وَذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطِيبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ كَثِيرًا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَجَاءَ الْمَرْسُومُ الشَّرِيفُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ إِلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ بِمَسْكِ النَّصَارَى مِنَ الشَّامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَأَنْ يُأْخَذَ مِنْهُمْ رُبْعَ أَمْوَالِهِمْ لِعِمَارَةِ مَا خُرِّبَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَلِعِمَارَةِ مَرَاكِبَ تَغْزُو الْفِرِنْجَ، فَأَهَانُوا النَّصَارَى، وَطُلِبُوا مِنْ بُيُوتِهِمْ بِعُنْفٍ، وَخَافُوا أَنْ يُقْتَلُوا، وَلَمْ يَفْهَمُوا مَا يُرَادُ بِهِمْ، فَهَرَبُوا كُلَّ مَهْرَبٍ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحَرَكَةُ شَرْعِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا شَرْعًا، وَقَدْ طُلِبْتُ يَوْمَ السَّبْتِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ إِلَى الْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ لِلِاجْتِمَاعِ بِنَائِبِ السَّلْطَنَةِ، وَكَانَ اجْتَمَاعُنَا بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ لَعِبِ الْكُرَةِ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ أُنْسًا كَثِيرًا، وَرَأَيْتُهُ كَامِلَ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ، حَسَنَ الْعِبَارَةِ، كَرِيمَ الْمُجَالَسَةِ، فَذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي النَّصَارَى، فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ مِصْرَ أَفْتَى لِلْأَمِيرِ الْكَبِيرِ بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا مِمَّا لَا يَسُوغُ شَرْعًا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهَذَا، وَمَتَى كَانُوا بَاقِينَ عَلَى الذِّمَّةِ، يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا الْجِزْيَةَ، مُلْتَزِمِينَ بِالذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ، وَأَحْكَامُ الْمِلَّةِ قَائِمَةٌ - لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمُ الدِّرْهَمُ الْوَاحِدُ الْفَرْدُ فَوْقَ مَا يَبْذُلُونَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى الْأَمِيرِ، فَقَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ وَقَدْ وَرَدَ الْمَرْسُومُ بِذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أُخَالِفَهُ؟ وَذَكَرْتُ لَهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِمَّا يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي حَقِّ أَهْلِ قُبْرُسَ مِنَ الْإِرْهَابِ، وَوَعِيدِ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: «ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقَّهُ نِصْفَيْنِ» كَمَا هُوَ الْحَدِيثُ مَبْسُوطٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، فَجَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute