النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْسِكُهَا فِي يَدِهِ إِذَا خَطَبَ، فَيَقِفُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ مُمْسِكُهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنَّ تَفْعَلَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ أَنَّ تُخْرِجَ الْمِنْبَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ تُخْرِجَ عَصَاهُ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَتَرَكَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، وَلَكِنْ زَادَ فِي الْمِنْبَرِ سِتَّ دَرَجَاتٍ، وَاعْتَذَرَ إِلَى النَّاسِ.
ثُمَّ رَوَى الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ هَمَّ بِذَلِكَ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى هَذَا ثُمَّ تَرَكَهُ، وَإِنَّهُ لَمَّا حَرَّكَ الْمِنْبَرَ، كَسَفَتِ الشَّمْسُ ; فَتَرَكَ ذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا حَجَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَرَادَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَاكَ أَرَادَا ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَاهُ. وَكَانَ السَّبَبَ فِي تَرْكِهِ أَنَّ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيَّبِ كَلَّمَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي ذَلِكَ وَيَعِظَهُ، فَتَرَكَ. ثُمَّ لَمَّا حَجَّ سُلَيْمَانُ أَخْبَرَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِمَا كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ، وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ يُذْكَرَ هَذَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَا عَنِ الْوَلِيدِ، وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَفْعَلَ هَذَا، مَالَنَا وَلِهَذَا، وَقَدْ أَخَذْنَا الدُّنْيَا فَهِيَ فِي أَيْدِينَا فَنُرِيدُ أَنْ نَعْمِدَ إِلَى عَلَمٍ مِنْ أَعْلَامِ الْإِسْلَامِ يُوفَدُ إِلَيْهِ، فَنَحْمِلَهُ إِلَى مَا قِبَلَنَا، هَذَا مَا لَا يَصْلُحُ. رَحِمَهُ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute