للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ خَائِفٌ يُرْعَدُ: " مَا قَرَأْتُ كِتَابًا قَطُّ، وَلَا أُحْسِنُهُ، وَمَا أَكْتُبُ، وَمَا أَقْرَأُ. فَأَخَذَهُ جِبْرِيلُ، فَغَتَّهُ غَتًّا شَدِيدًا، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا أَرَى شَيْئًا أَقْرَأُهُ، وَمَا أَكْتُبُ. يُرْوَى: " فَغَطَّنِي " كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ ". وَ " غَتَّنِي ". وَيُرْوَى " قَدْ غَتَّنِي " أَيْ خَنَقَنِي " حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ " يُرْوَى بِضَمِّ الْجِيمِ، وَفَتْحِهَا، وَبِالنَّصْبِ، وَبِالرَّفْعِ، وَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثَلَاثًا.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ ; لِيَبْلُوَ صَبْرَهُ، وَيُحْسِنَ تَأْدِيبَهُ، فَيَرْتَاضَ لِاحْتِمَالِ مَا كَلَّفَهُ بِهِ مِنْ أَعْبَاءِ النُّبُوَّةِ وَلِذَلِكَ كَانَ يَعْتَرِيهِ مِثْلُ حَالِ الْمَحْمُومِ وَتَأْخُذُهُ الرُّحَضَاءُ أَيِ الْبُهْرُ وَالْعَرَقُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأُمُورٍ مِنْهَا ; أَنْ يَسْتَيْقِظَ لِعَظَمَةِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ، بَعْدَ هَذَا الصَّنِيعِ الْمُشِقِّ عَلَى النُّفُوسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: ٥] وَلِهَذَا كَانَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذَا جَاءَهُ الْوَحْيُ يَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وَيَغِطُّ كَمَا يَغِطُّ الْبَكْرُ مِنَ الْإِبِلِ، وَيَتَفَصَّدُ جَبِينُهُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ.

وَقَوْلُهُ: فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>