وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَجَرَتْ مُنَاقَشَاتٌ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ حَصَلَ بَحْثٌ فِي مَسَائِلَ، ثُمَّ قَالَ نَائِبُ السَّلْطَنَةِ أَخِيرًا: أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: ٩٥] . فَلَانَتِ الْقُلُوبُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ كَاتِبَ السِّرِّ أَنْ يَكْتُبَ مَضْمُونَ ذَلِكَ فِي مُطَالَعَةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثُمَّ خَرَجْنَا عَلَى ذَلِكَ.
[عَوْدَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيِّ إِلَى دِمَشْقَ]
فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى قَدِمَ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُسْوَةِ، وَقَدْ تَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَعْيَانِ إِلَى الصَّنَمَيْنِ وَمَا فَوْقَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْكُسْوَةِ كَثُرَ النَّاسُ جَدًّا، وَقَارَبَهَا قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ السَّرَّاجِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ مِنْ عَقَبَةِ سَجَوْرَا تَلَقَّاهُ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَأُشْعِلَتِ الشُّمُوعُ حَتَّى مَعَ النِّسَاءِ، وَالنَّاسُ فِي سُرُورٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْجَسُورَةِ تَلَقَّتْهُ السَّنَاجِقُ الْخَلِيفَتِيَّةُ مَعَ الْجَوَامِعِ، وَالْمُؤَذِّنُونَ يُكَبِّرُونَ، وَالنَّاسُ فِي سُرُورٍ كَثِيرٍ، وَلَمَّا قَارَبَ بَابَ النَّصْرِ وَقْعَ مَطَرٌ عَظِيمٌ، وَالنَّاسُ مَعَهُ لَا تَسَعُهُمُ الطُّرُقَاتُ، يَدْعُونَ لَهُ، وَيَفْرَحُونَ بِقُدُومِهِ، فَدَخَلَ دَارَ السَّعَادَةِ، وَسَلَّمَ عَلَى نَائِبِ السَّلْطَنَةِ، ثُمَّ دَخَلَ الْجَامِعَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمَعَهُ شُمُوعٌ عَظِيمَةٌ، وَالرُّؤَسَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الْعَامَّةِ. وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَانِيَ شَهْرِ جُمَادَى الْآخِرَةِ رَكِبَ قَاضِي الْقُضَاةِ السُّبْكِيُّ إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ، وَقَدِ اسْتَدْعَى نَائِبُ السَّلْطَنَةِ بِالْقَاضِيَيْنِ; الْمَالِكِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ثَلَاثَتُهُمْ يَتَمَاشَوْنَ إِلَى الْجَامِعِ، فَدَخَلُوا دَارَ الْخَطَابَةِ فَاجْتَمَعُوا هُنَاكَ، وَضَيَّفَهُمَا الشَّافِعِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute