للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمْ قَتَلُوهُ كَيْ يَكُونُوا مَكَانَهُ ... كَمَا غَدَرَتْ يَوْمًا بِكِسْرَى مَرَازِبُهُ

فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَبَرَّمَ وَضَرَبَ رَأْسَهَا بِالْكَأْسِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى إِلَى الْأَسَدِ، فَأَكَلَهَا، ثُمَّ اسْتَدْعَى بِعَشْرٍ فَانْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ:

مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَقْتَلِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ

يَجِدِ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... يَلْطِمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ

فَطَرَدَهُنَّ، وَاسْتَدْعَى بِعَشْرٍ غَيْرِهِنَّ، فَلَمَّا حَضَرْنَ انْدَفَعْنَ يُغَنِّينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ:

كُلَيْبٌ لَعَمْرِي كَانَ أَكْثَرَ نَاصِرًا ... وَأَيْسَرَ ذَنْبًا مِنْكَ ضُرِّجَ بِالدَّمِ

فَطَرَدَهُنَّ وَقَامَ مِنْ فَوْرِهِ، وَأَمَرَ بِتَخْرِيبِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَتَحْرِيقِ مَا فِيهِ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْأَدَبِ، فَصِيحًا، يَقُولُ الشِّعْرَ وَيُحِبُّهُ وَيُعْطِي عَلَيْهِ الْجَوَائِزَ الْكَثِيرَةَ، وَكَانَ شَاعِرُهُ أَبَا نُوَاسٍ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو نُوَاسٍ مَدَائِحَ حِسَانًا جِدًّا، وَقَدْ وَجَدَهُ مَسْجُونًا فِي حَبْسِ الرَّشِيدِ مَعَ الزَّنَادِقَةِ، فَأَحْضَرَهُ، وَأَطْلَقُهُ، وَأَطْلَقَ لَهُ مَالًا، وَجَعَلَهُ مِنْ نُدَمَائِهِ، ثُمَّ حَبَسَهُ مَرَّةً أُخْرَى فِي شُرْبِ الْخَمْرِ وَأَطَالَ حَبْسَهُ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَلَا يَأْتِي الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَامْتَثَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَمَا اسْتَتَابَهُ الْأَمِينُ، وَقَدْ تَأَدَّبَ عَلَى الْكِسَائِيِّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>