للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ، أَبُو الْحَكَمِ الْبَلُّوطِيُّ

الظَّاهِرِيُّ مَذْهَبًا، قَاضِي قُضَاةِ الْأَنْدَلُسِ، وَكَانَ إِمَامًا فَقِيهًا عَالِمًا فَصِيحًا خَطِيبًا شَاعِرًا دَيِّنًا كَثِيرَ الْفَضْلِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ وَاخْتِيَارَاتٌ، مِنْهَا أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أُدْخِلَهَا آدَمُ وَأُخْرِجَ مِنْهَا كَانَتْ فِي الْأَرْضِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفٌ مُفْرَدٌ، لَهُ وَقْعٌ فِي النُّفُوسِ، وَلَهُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

دَخَلَ يَوْمًا عَلَى النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيِّ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَدِينَةِ الزَّهْرَاءِ وَقُصُورِهَا، وَقَدْ بُنِيَ لَهُ فِيهَا قَصْرٌ عَظِيمٌ مُنِيفٌ وَزُخُرِفَ بِأَنْوَاعِ الدِّهَانَاتِ وَالسُّتُورِ، وَجَلَسَ عِنْدَهُ رُءُوسُ دَوْلَتِهِ وَأُمَرَاؤُهُ، وَجَاءَ الْقَاضِي فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِهِ، وَجَعَلَ الْحَاضِرُونَ يُثْنُونَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ، وَالْقَاضِي سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ، وَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَكَمِ؟ فَبَكَى الْقَاضِي، وَانْحَدَرَتْ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَقَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الشَّيْطَانَ - أَخْزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْلُغُ مِنْكَ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَلَا أَنَّكَ تُمَكِّنُهُ مِنْ قِيَادِكَ هَذَا التَّمْكِينَ، مَعَ مَا آتَاكَ اللَّهُ، وَفَضَّلَكَ بِهِ، حَتَّى أَنْزَلَكَ مَنَازِلَ الْكَافِرِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>