وَفِيهَا جَاءَ الْبَسَاسِيرِيُّ - قَبَّحَهُ اللَّهُ - إِلَى الْمَوْصِلِ وَمَعَهُ نُورُ الدَّوْلَةِ دُبَيْسُ، فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَاقْتَتَلَ مَعَ صَاحِبِهَا قُرَيْشٍ وَنَصَرَهُ قُتُلْمِشُ ابْنُ عَمِّ طُغْرُلْبَكَ وَهُوَ جَدُّ مُلُوكِ الرُّومِ، فَهَزَمَهُمَا الْبَسَاسِيرِيُّ، وَأَخَذَ الْبَلَدَ قَهْرًا، فَخَطَبَ بِهَا لِلْمِصْرِيِّينَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَأَخْرَجَ كَاتِبَهُ مِنَ السِّجْنِ - وَكَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ، فَقُتِلَ - وَكَذَلِكَ خُطِبَ لِلْمِصْرِيِّينَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِالْكُوفَةِ وَوَاسِطٍ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبِلَادِ، وَعَزَمَ طُغْرُلْبَكُ الْمَلِكُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْمَوْصِلِ لِمُنَاجَزَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ، فَنَهَاهُ الْخَلِيفَةُ عَنِ الْخُرُوجِ، ذَلِكَ لِضِيقِ الْحَالِ وَغَلَاءِ الْأَسْعَارِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، فَخَرَجَ بِجَيْشِهِ قَاصِدًا الْمَوْصِلَ فِي جَحْفَلٍ عَظِيمَةٍ، وَمَعَهُ الْفِيَلَةُ وَالْمَنْجَنِيقَاتُ، وَكَانَ جَيْشُهُ لِكَثْرَتِهِمْ يَنْهَبُونَ الْقُرَى، وَرُبَّمَا سَطَوْا عَلَى بَعْضِ الْحَرِيمِ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى السُّلْطَانِ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثَ يَعْتَذِرُ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَأَعْرَضُ عَنْهُ، وَقَالَ لَهُ: يُحَكِّمُكَ اللَّهُ فِي الْبِلَادِ، ثُمَّ لَا تَرْفُقُ بِخَلْقِهِ وَلَا تَخَافُ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟! فَاسْتَيْقَظَ مَذْعُورًا، وَأَمَرَ وَزِيرَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْجَيْشِ بِالْعَدْلِ، وَأَنْ لَا يَظْلِمَ أَحَدٌ أَحَدًا. وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الْمَوْصِلِ فَتَحَ دُونَهَا بِلَادًا، ثُمَّ فَتَحَهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى أَخِيهِ دَاوُدَ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى بِلَادِ بَكْرٍ، فَفَتَحَ أَمَاكِنَ كَثِيرَةً هُنَالِكَ.
وَفِيهَا ظَهَرَتْ دَوْلَةُ الْمُلَثَّمِينَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَأَظْهَرُوا إِعْزَازَ الدِّينِ وَكَلِمَةِ الْحَقِّ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى بِلَادٍ كَثِيرَةٍ بِالْمَغْرِبِ، مِنْهَا سِجِلْمَاسَةُ وَأَعْمَالُهَا وَالسُّوسُ، وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَوَّلُ مُلُوكِ الْمُلَثَّمِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عُمَرَ. وَقَدْ أَقَامَ بِسِجِلْمَاسَةُ إِلَى أَنْ تُوَفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَوَلِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute