للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْبَرَ مَدَائِنِ الْقَفْجَاقِ، وَهِيَ مَدِينَةُ سُودَاقَ، وَفِيهَا مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالثِّيَابِ وَالتَّجَائِرِ مِنَ الْبُرْطَاسِيِّ وَالْقُنْدُزِ وَالسِّنْجَابِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا، وَلَجَأَتِ الْقَفْجَاقُ إِلَى بِلَادِ الرُّوسِ، وَكَانُوا نَصَارَى، فَاتَّفَقُوا مَعَهُمْ عَلَى قِتَالِ التَّتَارِ، فَالْتَقَوْا مَعَهُمْ، فَكَسَرَتْهُمُ التَّتَارُ كَسْرَةً فَظِيعَةً مُنْكَرَةً جِدًّا، ثُمَّ سَارُوا نَحْوَ بُلْغَارَ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، فَفَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى نَحْوِ مَلِكِهِمْ جِنْكِزْخَانَ، لَعَنَهُ اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ.

هَذَا مَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ السَّرِيَّةُ الْمُغَرِّبَةُ. وَكَانَ جِنْكِزْخَانُ قَدْ أَرْسَلَ سَرَيَّةً فِي هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى تِرْمِذَ فَأَخَذَتْهَا، وَأُخْرَى إِلَى فَرْغَانَةَ فَمَلَكُوهَا، وَجَهَّزَ جَيْشًا آخَرَ نَحْوَ خُرَاسَانَ، فَحَاصَرُوا بَلْخَ، فَصَالَحَهُمْ أَهْلُهَا، وَكَذَلِكَ صَالَحُوا مُدُنًا كَثِيرَةً أُخْرَى حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الطَّالَقَانِ، فَأَعْجَزَتْهُمْ قَلْعَتُهَا، وَكَانَتْ حَصِينَةً، فَحَاصَرُوهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ حَتَّى عَجَزُوا، فَكَتَبُوا إِلَى جِنْكِزْخَانَ، فَقَدِمَ بِنَفْسِهِ، فَحَاصَرَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى حَتَّى فَتَحَهَا قَهْرًا، ثُمَّ قَتَلَ كُلَّ مَنْ فِيهَا وَكُلَّ مَنْ فِي الْبَلَدِ بِكَمَالِهِ مِنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ.

ثُمَّ قَصَدُوا مَدِينَةَ مَرْوَ مَعَ جِنْكِزْخَانَ، وَقَدْ عَسْكَرَ بِظَاهِرِهَا نَحْوٌ مَنْ مِائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، فَاقْتَتَلُوا مَعَهُ قِتَالًا عَظِيمًا حَتَّى انْكَسَرَ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ثُمَّ حَصَرُوا الْبَلَدَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَاسْتَنْزَلُوا نَائِبَهَا خَدِيعَةً، ثُمَّ غَدَرُوا بِهِ وَبِأَهْلِ الْبَلَدِ، فَقَتَلُوهُمْ وَغَنِمُوهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>