للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَوْثَانِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا جِدًّا، بَيَّضَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِيمَا سَلَفَ مُفَرَّقًا فِي السِّنِينَ، كَانَ فِي جُمْلَةِ مَا كَسَرَ مِنْ أَصْنَامِهِمْ بُدٌّ عَظِيمٌ لِلْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ: سُومَنَاتُ. بَلَغَ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ مِنَ الذَّهَبِ عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَسَرَ مَلِكَ الْهِنْدِ الْكَبِيرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: جِيبَالُ. وَقَهَرَ مَلِكَ التُّرْكِ الْأَعْظَمَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: إِيلَكُ خَانَ. وَأَبَادَ مُلْكَ السَّامَانِيَّةِ، وَقَدْ مَلَكُوا بِخُرَاسَانَ مِائَةَ سَنَةٍ بِلَادَ سَمَرْقَنْدَ وَمَا حَوْلَهَا، ثُمَّ هَلَكُوا، وَبَنَى عَلَى جَيْحُونَ جِسْرًا غَرِمَ عَلَيْهِ أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يَتَّفِقْ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ أَرْبَعُمِائَةِ فِيلٍ تُقَاتِلُ، وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ هَائِلَةٌ وَمَرْتَبَةٌ طَائِلَةٌ، وَجَرَتْ لَهُ فُصُولٌ ذِكْرُ تَفْصِيلِهَا يَطُولُ.

وَكَانَ فِي غَايَةِ الدِّيَانَةِ وَالصِّيَانَةِ يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَيُكْرِمُهُمْ، وَيُجَالِسُهُمْ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ حَنَفِيَّ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الصَّغِيرِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ كَرَّامِيًّا عَلَى اعْتِقَادِهِمْ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يُجَالِسُهُ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْضَمِ، وَتَنَاظَرَ هُوَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْشِ مُنَاظَرَةً طَوِيلَةً، ذَكَرَهَا ابْنُ الْهَيْضَمِ فِي مُصَنَّفٍ لَهُ، فَمَالَ السُّلْطَانُ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ إِلَى قَوْلِ ابْنِ الْهَيْضَمِ، وَنَقَمَ عَلَى ابْنِ فُورَكَ كَلَامَهُ، وَأَمَرَ بِطَرْدِهِ وَإِخْرَاجِهِ ; لِمُوَافَقَتِهِ لِرَأْيِ الْجَهْمِيَّةِ.

وَكَانَتْ مَعْدِلَتُهُ جَيِّدَةً ; اشْتَكَى إِلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّ ابْنَ أُخْتِ الْمَلِكِ يَهْجِمُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَيُخْرِجُهُ مِنَ الْبَيْتِ وَيَخْتَلِي بِامْرَأَتِهِ، وَقَدْ حَارَ فِي أَمْرِهِ، وَكُلَّمَا اشْتَكَاهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ لَا يَتَجَاسَرُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ; يَهَابُونَ الْمَلِكَ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: وَيْحَكَ! مَتَى جَاءَكَ فَائْتِنِي فَأَعْلِمْنِي، وَلَا تَسْمَعْنَ مِنْ أَحَدٍ مَنَعَكَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيَّ، وَلَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ. وَتَقَدَّمَ إِلَى الْحَجَبَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>