الْمَشْرِقِيَّةِ، فَنَزَلُوا عِنْدَ ابْنِ السُّلْطَانِ عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ، وَبَعَثَ الْأَفْضَلُ سَرِيَّةً نَحْوَ بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَقَتَلَتْ وَغَنِمَتْ وَسَلِمَتْ وَكَسَرَتْ وَأَسَرَتْ، وَرَجَعَتْ فَبَشَّرَتْ بِمُقَدِّمَاتِ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ، وَجَاءَ السُّلْطَانُ فِي جَحَافِلِهِ وَالْتَفَّتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْعَسَاكِرِ الْبَادِي مِنْهُمْ وَالْحَاضِرِ، فَرَتَّبَ الْجُيُوشَ وَالْأَطْلَابَ، وَسَارَ قَاصِدًا بِلَادَ السَّاحِلِ، وَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا غَيْرَ الْمُطَّوِّعَةِ، فَتَسَامَعَتِ الْفِرِنْجُ بِمَقْدَمِهِ، فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ وَتَصَالَحُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَدَخَلَ مَعَهُمْ قُومَصُ أَطْرَابُلُسَ الْغَادِرُ وَإِبْرَنْسُ الْكَرَكِ الْفَاجِرُ، وَجَاءُوا بِقَضِّهِمْ وَقَضِيضِهِمْ وَأَهْلِ أَوْجِهِمْ وَحَضِيضِهِمْ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمْ صَلِيبَ الصَّلَبُوتِ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ عُبَّادُ الطَّاغُوتِ، وَضُلَّالُ النَّاسُوتِ وَاللَّاهُوتِ، فِي خَلْقٍ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، يُقَالُ: كَانُوا خَمْسِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَلَاثًا وَسِتِّينَ أَلْفًا. وَقَدْ خَوَّفَهُمْ صَاحِبُ طَرَابُلُسَ بِأْسَ الْمُسْلِمِينَ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِبْرَنْسُ أَرْنَاطُ صَاحِبُ الْكَرَكِ فَقَالَ لَهُ: لَا أَشُكُّ أَنَّكَ تُحِبُّ الْمُسْلِمِينَ وَتُخَوِّفُنَا كَثْرَتَهُمْ، وَالنَّارُ لَا تَخَافُ مِنْ كَثْرَةِ الْحَطَبِ. فَقَالَ الْقُومَصُ لَهُمْ: مَا أَنَا إِلَّا مِنْكُمْ، وَسَتَرَوْنَ غِبَّ مَا أَقُولُ لَكُمْ. فَتَقَدَّمُوا وَأَقْبَلَ السُّلْطَانُ فَفَتَحَ طَبَرِيَّةَ وَتَقَوَّى بِمَا فِيهَا مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَحَصَّنَتْ عَنْهُ الْقَلْعَةُ فَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهَا، وَحَازَ الْبُحَيْرَةَ فِي حَوْزَتِهِ، وَمَنَعَ الْكَفَرَةَ أَنْ يَصِلُوا مِنْهَا إِلَى غُرْفَةٍ، أَوْ يَرَوْا لِلْمَاءِ رِيًّا، وَأَقْبَلُوا فِي عَطَشٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute