للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَدَخَلَ بِهِمَا الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ عَلَى الْمَأْمُونِ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِالْمُزْوَدَيْنِ فَفُرِّغَا، وَمُلِئَا دَنَانِيرَ، وَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى ذَلِكَ الْأَدِيبِ.

وَوُلِدَ لِلْمَأْمُونِ ابْنُهُ جَعْفَرٌ فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ يُهَنِّئُونَهُ بِصُنُوفِ التَّهَانِي، وَدَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، فَقَالَ لَهُ يُهَنِّئُهُ بِوَلَدِهِ:

مَدَّ لَكَ اللَّهُ الْحَيَاةَ مَدًّا ... حَتَّى تَرَى ابْنَكَ هَذَا جَدَّا

ثُمَّ يُفَدِّي مِثْلَ مَا تَفَدَّى ... كَأَنَّهُ أَنْتَ إِذَا تَبَدَّى

أَشْبَهُ مِنْكَ قَامَةً وَقَدًّا ... مُؤْزَرًا بِمَجْدِهِ مُرَدَّا

قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.

وَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِدِمَشْقَ مَالٌ جَزِيلٌ بَعْدَ مَا كَانَ قَدْ أَفْلَسَ وَشَكَى إِلَى أَخِيهِ الْمُعْتَصِمِ ذَلِكَ، فَوَرَدَتْ عَلَيْهِ خَزَائِنُ مِنْ خُرَاسَانَ وَبِهَا ثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَخَرَجَ يَسْتَعْرِضُهَا وَقَدْ زُيِّنَتِ الْجِمَالُ وَالْأَحْمَالُ وَمَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ الْقَاضِي، فَلَمَّا دَخَلَتِ الْبَلَدَ، قَالَ: لَيْسَ مِنَ الْمُرُوءَةِ أَنْ نَحُوزَ نَحْنُ هَذَا كُلَّهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ. ثُمَّ فَرَّقَ مِنْهُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِجْلُهُ فِي الرِّكَابِ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ فَرَسِهِ.

وَمِنْ لَطِيفِ شِعْرِهِ قَوْلُهُ:

لِسَانِي كَتُومٌ لِأَسْرَارِكُمْ ... وَدَمْعِي نَمُومٌ لِسِرِّي مُذِيعْ

<<  <  ج: ص:  >  >>