عَلَى سَرِيرٍ مُكَلَّلٍ بِالذَّهَبِ، وَعَلَى وَجْهِهَا بُرْقُعٌ، وَدَخَلَ الْمَلِكُ طُغْرُلْبَكُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَبَّلَ الْأَرْضَ وَلَمْ تَقُمْ لَهُ وَلَمْ تَرَهُ، وَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى انْصَرَفَ إِلَى صَحْنِ الدَّارِ، وَالْحُجَّابُ وَالْأَتْرَاكُ يَرْقُصُونَ هُنَاكَ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَبَعَثَ لَهَا مَعَ الْخَاتُونِ أَرْسَلَانَ ابْنَةِ أَخِيهِ زَوْجَةِ الْخَلِيفَةِ عِقْدَيْنِ فَاخِرَيْنِ وَقِطْعَةَ يَاقُوتٍ حَمْرَاءَ كَبِيرَةً هَائِلَةً، وَدَخَلَ مِنَ الْغَدِ فَقَبَّلَ الْأَرْضَ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ مُكَلَّلٍ بِالْفِضَّةِ بِإِزَائِهَا سَاعَةً، ثُمَّ خَرَجَ وَأَرْسَلَ لَهَا جَوَاهِرَ نَفِيسَةً كَثِيرَةً مُثَمَّنَةً، وَفَرَجِيَّةَ نَسِيجٍ مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ، وَمَا زَالَ كَذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ يَدْخُلُ، وَيُقَبِّلُ الْأَرْضَ، وَيَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ بِإِزَائِهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَبْعَثُ بِالتُّحَفِ وَالْهَدَايَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ إِلَيْهَا شَيْءٌ مِقْدَارَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَيَمُدُّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ سِمَاطًا عَظِيمًا، وَخَلَعَ يَوْمَ السَّابِعِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ سَفَرٌ وَاعْتَرَاهُ مَرَضٌ، فَاسْتَأْذَنَ الْخَلِيفَةَ بِالِانْصِرَافِ بِالسَّيِّدَةِ مَعَهُ إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ مُدَّةً قَرِيبَةً، ثُمَّ يَعُودُ بِهَا، فَأَذِنَ لَهُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ تَمَنُّعٍ شَدِيدٍ وَحُزْنٍ عَظِيمٍ، فَخَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَلَيْسَ مَعَهَا مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ سِوَى ثَلَاثِ نِسْوَةٍ، بِرَسْمِ خِدْمَتِهَا، وَتَأَلَّمَتْ وَالِدَتُهَا لِفَقْدِهَا أَلَمًا عَظِيمًا جِدًّا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ، وَخَرَجَ السُّلْطَانُ وَهُوَ مَرِيضٌ مُدْنِفٌ مَأْيُوسٌ مِنْهُ مُثْقَلٌ لَا تُرْجَى مِنْهُ الْعَافِيَةُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْأَحَدِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْمَلِكَ طُغْرُلْبَكَ تُوُفِّيَ فِي ثَامِنِ الشَّهْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَثَارَتِ الْعَيَّارُونَ بِهَمَذَانَ، فَقَتَلُوا الْعَمِيدَ وَالشِّحْنَةَ وَسَبْعَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ، وَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ عَلَى الْقَتْلَى نَهَارًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُمْ، وَأُخِذَتِ الْبَيْعَةُ بَعْدَهُ لِوَلَدِ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَكَانَ طُغْرُلْبَكُ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ وَأَوْصَى إِلَيْهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute