وَلَمَّا انْتَهَتِ النَّوْبَةُ إِلَى امْتِحَانِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لَهُ: أَتَقُولُ إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الرُّقْعَةِ؟ فَقَالَ: أَقُولُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: إِنَّهُ يَقُولُ سَمِيعٌ بِأُذُنٍ بَصِيرٌ بِعَيْنٍ. فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ مِنْهَا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. فَكَتَبَ جَوَابَاتِ الْقَوْمِ رَجُلًا رَجُلًا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْمَأْمُونِ.
فَصْلٌ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ نَائِبَ بَغْدَادَ لَمَّا امْتَحَنَ الْجَمَاعَةَ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَنَفَى التَّشْبِيهَ، فَأَجَابُوا كُلُّهُمْ إِلَى نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَامْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا كُلُّهُمْ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا حَرْفًا أَبَدًا وَقَرَأَ فِي نَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] فَقَالُوا: مَا أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ؟ فَقَالَ: أَرَدْتُ مِنْهَا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ مِنْهَا، وَكَانَ مِنَ الْحَاضِرِينَ مَنْ أَجَابَ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ مُصَانَعَةً مُكْرَهًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْزِلُونَ مَنْ لَا يُجِيبُ عَنْ وَظَائِفِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ رِزْقٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا مُنِعَ مِنَ الْإِفْتَاءِ، وَإِنْ كَانَ شَيْخَ حَدِيثٍ رُدِعَ عَنِ الْإِسْمَاعِ وَالْأَدَاءِ، وَوَقَعَتْ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ وَمِحْنَةٌ شَنْعَاءُ وَدَاهِيَةٌ دَهْيَاءُ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute