للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَالِحًا - فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ دَخَلَ عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ فَلَمْ يَفِدْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَسَيَّرَهُ مَعَ أَصْحَابِهِمَا فِي هَوْدَجٍ إِلَى حَدِيثَةِ عَانَةَ، فَكَانَ عِنْدَ مُهَارِشٍ أَمِيرِهَا حَوْلًا كَامِلًا، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كُنْتُ بِحَدِيثَةِ عَانَةَ قُمْتُ لَيْلَةً إِلَى الصَّلَاةِ، فَوَجَدْتُ فِي قَلْبِي حَلَاوَةَ الْمُنَاجَاةِ، ثُمَّ دَعَوْتُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا سَنَحَ لِي، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَعِدْنِي إِلَى وَطَنِي، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِي وَوَلَدِي، وَيَسِّرِ اجْتِمَاعَنَا، وَأَعِدْ رَوْضَ الْأُنْسِ زَاهِرًا، وَرَبْعَ الْقُرْبِ عَامِرًا، فَقَدْ قَلَّ الْعَزَاءُ، وَبَرِحَ الْخَفَاءُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ قَائِلًا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ يَقُولُ: نَعَمْ نَعَمْ. فَقُلْتُ: هَذَا رَجُلٌ يُخَاطِبُ آخَرُ، ثُمَّ أَخَذْتُ فِي السُّؤَالِ وَالِابْتِهَالِ، فَسَمِعْتُ ذَلِكَ الصَّائِحَ يَقُولُ: إِلَى الْحَوْلِ، إِلَى الْحَوْلِ. فَعَلِمْتُ أَنَّهُ هَاتِفٌ أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِمَا جَرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ كَذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ دَارِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَرَجَعَ إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَقَدْ قَالَ الْخَلِيفَةُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي مَقَامِهِ بِالْحَدِيثَةِ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ حَالَهُ، فَمِنْهُ:

خَابَتْ ظُنُونِي فِيمَنْ كُنْتُ آمُلُهُ ... وَلَمْ يَجُلْ ذِكْرُ مَنْ وَالَيْتُ فِي خَلَدِي

تَعَلَّمُوا مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ كُلُّهُمُ ... فَمَا أَرَى أَحَدًا يَحْنُو عَلَى أَحَدِ

وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ:

مَا لِي مِنَ الْأَيَّامِ إِلَّا مَوْعِدٌ ... فَمَتَى أَرَى ظُفْرًا بِذَاكَ الْمَوْعِدِ

يَوْمِي يَمُرُّ وَكُلَّمَا قَضَّيْتُهُ ... عَلَّلْتُ نَفْسِي بِالْحَدِيثِ إِلَى غَدِ

أَحْيَا بِنَفْسٍ تَسْتَرِيحُ إَلَى الْمُنَى ... وَعَلَى مَطَامِعِهَا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي

<<  <  ج: ص:  >  >>