للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَقَدْ مَلَكَ الْمَوْصِلَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ ذَا عَقْلٍ وَدَهَاءٍ وَمَكْرٍ، لَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ عَلَى أَوْلَادِ أُسْتَاذِهِ حَتَّى أَبَادَهُمْ، وَزَالَتِ الدَّوْلَةُ الْأَتَابِكِيَّةُ عَنِ الْمَوْصِلِ، وَلَمَّا انْفَصَلَ هُولَاكُوقَانَ عَنْ بَغْدَادَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ الْفَظِيعَةِ الْعَظِيمَةِ، سَارَ إِلَى خِدْمَتِهِ مُتَاقِيًا لَهُ، وَمَعَهُ الْهَدَايَا وَالتُّحَفُ، فَأَكْرَمَهُ وَاحْتَرَمَهُ، وَرَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ، فَمَكَثَ بِالْمَوْصِلِ أَيَّامًا يَسِيرَةً، ثُمَّ مَاتَ، وَدُفِنَ بِمَدْرَسَتِهِ الْبَدْرِيَّةِ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِحُسْنِ سِيرَتِهِ وَجَوْدَةِ مَعْدِلَتِهِ، وَقَدْ جَمَعَ لَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ الْأَثِيرِ كِتَابَهُ الْمُسَمَّى بِالْكَامِلِ فِي التَّارِيخِ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يُعْطِي لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَلْفَ دِينَارٍ وَنَحْوَهَا، وَقَدْ قَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ.

وَقَدْ كَانَ بَدْرُ الدِّينِ لُؤْلُؤٌ هَذَا أَرْمَنِيًّا اشْتَرَاهُ رَجُلٌ خَيَّاطٌ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الْمَلِكِ نُورِ الدِّينِ أَرَسْلَانَ شَاهِ بْنِ عِزِّ الدِّينِ مَسْعُودِ بْنِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيِّ آقْسُنْقُرَ الْأَتَابِكِيِّ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ مَلِيحَ الصُّورَةِ فَحَظِيَ عِنْدَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي دَوْلَتِهِ إِلَى أَنْ صَارَتِ الْكَلِمَةُ دَائِرَةً عَلَيْهِ، وَالْوُفُودُ مِنْ سَائِرِ جِهَاتِ مُلْكِهِمْ إِلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَخْنَى عَلَى أَوْلَادِ أُسْتَاذِهِ فَقَتَلَهُمْ غِيلَةً وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَاسْتَقَلَّ بِالْمُلْكِ حِينَئِذٍ، وَصَفَتْ لَهُ الْأُمُورُ وَرَاقَتْ، وَكَانَ يَبْعَثُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلَى مَشْهَدِ عَلَيٍّ قِنْدِيلًا زِنَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمُرِ قَرِيبًا مِنْ تِسْعِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>