للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَضَرَبَتْ بُثَيْنَةُ جَانِبَ خَدْرِهَا، وَقَالَتِ: اخْسَأْ، اخْسَأْ. فَقَالَ أَبُوهَا: مَهْيَمْ؟ فَقَالَتْ: كَلْبٌ يَأْتِينَا إِذَا نَامَ النَّاسُ، مِنْ وَرَاءِ الرَّابِيَةِ. ثُمَّ قَالَتْ لِجَارِيَتِهَا: ابْغِينَا مِنَ الدَّوْمَاتِ حَطَبًا لِيُشْوَى بِهِ لِكُثَيِّرٍ شَاةٌ. فَقُلْتُ: أَنَا أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ. وَانْطَلَقْتُ إِلَى جَمِيلٍ، فَقُلْتُ: مَوْعِدُكُ الدَّوْمَاتُ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَقْبَلَتْ بُثَيْنَةُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَاعَدَتْهُ إِلَيْهِ، وَجَاءَ جَمِيلٌ، وَكُنْتُ مَعَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ لَيْلَةً أَعْجَبَ مِنْهَا، وَلَا أَحْسَنَ مُنَادِمَاتٍ، وَانْفَضَّ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ وَمَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَفْهَمُ لِمَا فِي ضَمِيرِ صَاحِبِهِ مِنْهُ.

وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى جَمِيلٍ وَهُوَ يَمُوتُ فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَمْ يَشْرَبِ الْخَمْرَ قَطُّ، وَلَمْ يَزْنِ قَطُّ، وَلَمْ يَسْرِقْ، وَلَمْ يَقْتُلِ النَّفْسَ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: أَظُنُّهُ قَدْ نَجَا، وَأَرْجُو لَهُ الْجَنَّةَ، فَمَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّكَ سَلِمْتَ، وَأَنْتَ تُشَبِّبُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً بِبُثَيْنَةَ. فَقَالَ: لَا نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَآخَرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِنْ كُنْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>