للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَقْذِفَنَّهُ أَوَّلَ النَّاسِ خَلْفَ فَرَسِهِ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ قَذَفَ فَرَسَهُ خَلْفَ أَبِي مُسْلِمٍ، فَوَاللَّهِ مَا بَلَغَ الْمَاءُ بُطُونَ الْخَيْلِ حَتَّى عَبَرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، هَلْ ذَهَبَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ فَأَدْعُوَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهُ؟ .

فَهَذِهِ الْكَرَامَاتُ لِهَؤُلَاءِ الْأَوْلِيَاءِ هِيَ مِنْ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا ذَلِكَ بِبَرَكَةِ مُتَابَعَتِهِ، وَيُمْنِ سِفَارَتِهِ إِذْ فِيهَا حُجَّةٌ فِي الدِّينِ وَحَاجَةٌ أَكِيدَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُشَابِهَةٌ لِمُعْجِزَةِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي مَسِيرِهِ فَوْقَ الْمَاءِ بِالسَّفِينَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَمَلِهَا، وَمُعْجِزَةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي فَلْقِ الْبَحْرِ، وَهَذِهِ فِيهَا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ جِهَةِ مَسِيرِهِمْ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ حَامِلٍ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَاءٌ جَارٍ وَالسَّيْرُ عَلَيْهِ أَعْجَبُ مِنَ السَّيْرِ عَلَى الْمَاءِ الْقَارِّ الَّذِي يُجَازُ، وَإِنْ كَانَ مَاءُ الطُّوفَانِ أَطَمَّ وَأَعْظَمَ، فَهَذِهِ خَارِقٌ، وَالْخَارِقُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَإِنَّ مَنْ سَلَكَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ الْخِضَمِّ الْجَارِي الْعَجَاجِ، فَلَمْ يَبْتَلَّ مِنْهُ نِعَالُ خُيُولِهِمْ، أَوْ لَمْ يَصِلْ إِلَى بُطُونِهَا، فَلَا فَرْقَ فِي الْخَارِقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَامَةً أَوْ أَلْفَ قَامَةٍ، أَوْ أَنْ يَكُونَ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا، بَلْ كَوْنُهُ نَهْرًا عَجَاجًا كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَالسَّيْلِ الْجَارِفِ أَعْظَمُ وَأَغْرَبُ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَرْقِ الْبَحْرِ، وَهُوَ جَانِبُ بَحْرِ الْقُلْزُمِ، حَتَّى صَارَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، أَيِ الْجَبَلِ الْكَبِيرِ، فَانْحَازَ الْمَاءُ يَمِينًا وَشِمَالًا حَتَّى بَدَتْ أَرْضُ الْبَحْرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>