للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِلْمَ؟ فَسَكَتَ. فَجَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى أَقُولَ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: وَأَنْتَ لَا تَقُولُ إِلَّا بِهَذَا وَهَذَا؟ فَقُلْتُ: وَهَلْ يَقُومُ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِهِمَا؟

وَجَرَتْ بَيْنَهُمَا مُنَاظَرَاتٌ طَوِيلَةٌ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢] وَعَنْهُ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ بِحَدَثِ إِنْزَالِهِ، أَوْ ذِكْرٌ غَيْرُ الْقُرْآنِ مُحْدَثٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَشَّحَ هَذَا بُقُولِهِ {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: ١] يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ بِخِلَافِ الذِّكْرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ الْقُرْآنِ. وَبِقَوْلِهِ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦] وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥] فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: هُوَ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِعٌ، وَهَؤُلَاءِ قُضَاتُكَ وَالْفُقَهَاءُ فَسَلْهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِيهِ: فَأَجَابُوا بِمِثْلِ مَا قَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ، ثُمَّ أَحْضَرُوهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَنَاظَرُوهُ أَيْضًا، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَنَاظَرُوهُ أَيْضًا، وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَعْلُو صَوْتُهُ عَلَيْهِمْ، وَتَغْلِبُ حُجَّتُهُ حُجَجَهُمْ. قَالَ: فَإِذَا سَكَتُوا فَتَحَ الْكَلَامَ عَلَيْهِمُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ، وَكَانَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْعِلْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>