إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَمْضِي وَرَاءَ هَذَا الْكَلْبِ - الْبَسَاسِيرِيِّ - وَأَقْتَنِصُهُ، وَأَعُودُ إِلَى الشَّامِ وَأَفْعَلُ بِصَاحِبِ مِصْرَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَازَى بِهِ مِنْ سُوءِ الْمُقَابَلَةِ بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْبَسَاسِيرِيِّ هَاهُنَا. فَدَعَا لَهُ الْخَلِيفَةُ، وَشَكَرَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ يُتَرْجِمُهُ عَمِيدُ الْمُلْكِ بَيْنَ الْخَلِيفَةِ وَالْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ.
وَأَعْطَى الْخَلِيفَةُ لِلْمَلِكِ سَيْفًا كَانَ مَعَهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ أُمُورِ الْخِلَافَةِ سِوَاهُ، وَاسْتَأْذَنَ الْمَلِكُ لِبَقِيَّةِ الْجَيْشِ أَنْ يَخْدِمُوا الْخَلِيفَةَ فَرُفِعَتِ الْأَسْتَارُ عَنْ جَوَانِبِ الْخَرْكَاهْ، فَلَمَّا شَاهَدَ الْأَتْرَاكُ الْخَلِيفَةَ، قَبَّلُوا الْأَرْضَ.
ثُمَّ دَخَلَ بَغْدَادَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمًا مَشْهُودًا، الْجَيْشُ كُلُّهُ مَعَهُ، وَالْقُضَاةُ وَالْأَعْيَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْمَلِكُ طُغْرُلْبَكُ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَابِ الْحُجْرَةِ، وَلَمَّا وَصَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى دَارِ مَمْلَكَتِهِ وَمَقَرِّ خِلَافَتِهِ، اسْتَأْذَنَهُ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ فِي الْخُرُوجِ وَرَاءَ الْبَسَاسِيرِيِّ، فَأَذِنَ لَهُ، وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَمْضِيَ مَعَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا أَكْفِيكَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَطْلَقَ الْمَلِكُ لِمُهَارِشٍ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَرْضَ.
وَشَرَعَ السُّلْطَانُ فِي تَرْتِيبِ الْجُيُوشِ لِلْمَسِيرِ وَرَاءَ الْبَسَاسِيرِيِّ، فَأَرْسَلَ جَيْشًا مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ لِيَمْنَعُوهُ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ هُوَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ فِي بَقِيَّةِ الْجَيْشِ، وَأَمَّا الْبَسَاسِيرِيُّ، فَإِنَّهُ مُقِيمٌ بِوَاسِطٍ فِي جَمْعِ غَلَّاتٍ وَتُمُورٍ يُهَيِّئُهَا لِقِتَالِ أَهْلِ بَغْدَادَ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْغُزِّ، وَعِنْدَهُ أَنَّ الْمَلِكَ طُغْرُلْبَكَ وَمَنْ مَعَهُ لَيْسُوا بِشَيْءٍ يُخَافُ مِنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِهْلَاكِهِ عَلَى يَدَيِ الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ جَزَاهُ اللَّهُ عَنِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا، آمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute