عَظِيمَةً، وَمَلَابِسَ سَنِيَّةً وَمَا يَلِيقُ بِالْخَلِيفَةِ فِي السَّفَرِ، أَرْسَلَ ذَلِكَ مَعَ الْوَزِيرِ عَمِيدِ الْمُلْكِ الْكُنْدُرِيِّ، وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ أَرْسَلُوا بِتِلْكَ الْآلَاتِ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَيْهِ، وَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: اضْرِبُوا السُّرَادِقَ، وَلِيَلْبَسَ الْخَلِيفَةُ مَا يَلِيقُ بِهِ، ثُمَّ نَجِيءُ نَحْنُ فَنَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَلَا يَأْذَنُ لَنَا إِلَّا بَعْدَ سَاعَةٍ طَوِيلَةٍ. فَلَمَّا دَخَلَ الْوَزِيرُ وَمَنْ مَعَهُ قَبَّلُوا الْأَرْضَ وَأَخْبَرُوهُ بِسُرُورِ السُّلْطَانِ بِمَا حَصَلَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى بَغْدَادَ وَاشْتِيَاقِهِ إِلَيْهِ جِدًّا، وَأَخْبَرُوا مُهَارِشًا بِشُكْرِ السُّلْطَانِ لَهُ وَنِيَّتِهِ لَهُ بِمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِهِ مِنَ الْإِكْرَامِ.
وَكَتَبَ عَمِيدُ الْمُلْكِ كِتَابًا إِلَى السُّلْطَانِ يُعْلِمُهُ بِصِفَةِ مَا جَرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَأَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ خَطَّ الْخَلِيفَةِ فِي أَعَلَا الْكِتَابِ ; لِيَكُونَ أَقَرَّهُ لِعَيْنِ السُّلْطَانِ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ دَوَاةٌ، وَأَحْضَرَ الْوَزِيرُ دَوَاتَهُ وَمَعَهَا سَيْفٌ، وَقَالَ: هَذِهِ خِدْمَةُ السَّيْفِ وَالْقَلَمِ، فَأَعْجَبَ الْخَلِيفَةَ ذَلِكَ.
وَتَرْحَّلُوا مِنْ مَنْزِلِهِمْ ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى النَّهْرَوَانِ خَرَجَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكَ مِنْ بَغْدَادَ لِتَلَقِّيهِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى السُّرَادِقِ قَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَأَخَذَ الْخَلِيفَةُ مِخَدَّةً، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَهَا الْمَلِكُ فَقَبَّلَهَا، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا، كَمَا أَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدَّمَ إِلَى الْخَلِيفَةِ الْحَبْلَ الْيَاقُوتَ الْأَحْمَرَ الَّذِي كَانَ لِبَنِي بُوَيْهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ، وَأَخْرَجَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ حَبَّةً مِنْ لُؤْلُؤٍ كِبَارٍ، وَقَالَ: أَرْسَلَانُ خَاتُونَ - يَعْنِي زَوْجَةَ الْخَلِيفَةِ - تَخْدُمُ وَتَسْأَلُ أَنْ تُسَبِّحَ بِهَذِهِ السُّبْحَةِ، وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ مِنْ تَأَخُّرِهِ عَنِ الْحَضْرَةِ بِسَبَبِ عِصْيَانِ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَتَلْتُهُ، وَاتَّفَقَ مَوْتُ أَخِي الْأَكْبَرِ دَاوُدَ، فَاشْتَغَلْتُ بِتَرْتِيبِ أَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَكُنْتُ عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَصْمُدَ إِلَى الْحَدِيثَةِ ; لِأَصُونَ الْمُهْجَةَ الشَّرِيفَةَ، وَلَكِنْ لَمَّا بَلَغَنِي، بِحَمْدِ اللَّهِ، أَمْرُ مَوْلَايَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْخَلِيفَةِ، فَرِحْتُ بِذَلِكَ وَأَنَا شَاكِرٌ لِمُهَارِشٍ بِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ خِدْمَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute