سَارُوا إِلَى نَاحِيَةِ الْكَرَكِ، فَأَكْرَمَهُمُ النَّاصِرُ دَاوُدُ صَاحِبُهَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَصَاهَرَهُمْ وَأَنْزَلَهُمْ بِالصَّلْتِ، فَأَخَذُوا مَعَهَا نَابُلُسَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ جَيْشًا مَعَ فَخْرِ الدِّينِ بْنِ الشَّيْخِ، فَكَسَرَهُمْ عَلَى الصَّلْتِ وَأَجْلَاهُمْ عَنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، وَحَاصَرَ النَّاصِرَ بِالْكَرَكِ، وَأَهَانَهُ غَايَةَ الْإِهَانَةِ، وَقَدِمَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ نَجْمُ الدِّينِ أَيُّوبُ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَدَخَلَ دِمَشْقَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ، وَأَحْسَنَ إِلَى أَهْلِهَا، وَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَسَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ وَإِلَى بُصْرَى، وَإِلَى صَرْخَدَ فَتَسَلَّمَهَا مِنْ صَاحِبِهَا عِزِّ الدِّينِ أَيْبَكَ الْمُعَظَّمِيِّ، وَعَوَّضَهُ عَنْهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى مِصْرَ مُؤَيَّدًا مَنْصُورًا. وَهَذَا كُلُّهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَقَعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ جَيْشِ الْخَلِيفَةِ وَبَيْنَ التَّتَارِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، فَكَسَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَسْرَةً عَظِيمَةً، وَفَرَّقُوا شَمْلَهُمْ، وَهَرَبُوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ، فَلَمْ يَلْحَقُوهُمْ، وَلَمْ يَتْبَعُوهُمْ خَوْفًا مِنْ غَائِلَةِ مَكْرِهِمْ، وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ ﷺ: اتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ بِبِلَادِ خُوزِسْتَانَ، عَلَى شِقِّ جَبَلٍ دَاخِلِهِ، مِنَ الْأَبْنِيَةِ الْغَرِيبَةِ الْعَجِيبَةِ مَا يَحَارُ فِيهِ النَّاظِرُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بِنَاءِ الْجِنِّ، وَأَوْرَدَ صِفَتَهُ ابْنُ السَّاعِي فِي «تَارِيخِهِ».
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ:
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الصَّلَاحِ، عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، الشَّيْخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute