عُنُقِهِ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ حَتَّى أُوْقِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُعْتَصِمِ، فَضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى مَضْرِبِ الْخَلِيفَةِ، فَمَشَى مُهَانًا إِلَى الْوِطَاقِ الَّذِي فِيهِ الْخَلِيفَةُ نَازِلٌ، فَأُوثِقَ هُنَاكَ، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَمُّورِيَةَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً وَغَنَائِمَ لَا تُحَدُّ وَلَا تُوَصَفُ، فَحَمَلُوا مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ، وَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ بِإِحْرَاقِ مَا بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ، وَبِإِحْرَاقِ مَا هُنَالِكَ مِنَ الْمَجَانِيقِ وَالدَّبَّابَاتِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ؛ لِئَلَّا يَتَقَوَّى بِهَا الرُّومُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْصَرَفَ رَاجِعًا عَنْهَا إِلَى نَاحِيَةِ طَرَسُوسَ فِي أَوَاخِرِ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ عَلَى عَمُّورِيَةَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا.
[مَقْتَلُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمَأْمُونِ]
ذِكْرُ مَقْتَلِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمَأْمُونِ
كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْمَأْمُونِ مَعَ عَمِّهِ الْمُعْتَصِمِ فِي غَزَاةِ عَمُّورِيَةَ وَكَانَ عُجَيْفُ بْنُ عَنْبَسَةَ قَدْ نَدَّمَهُ إِذْ لَمْ يَأْخُذِ الْخِلَافَةَ بَعْدَ أَبِيهِ الْمَأْمُونِ حِينَ مَاتَ بِطَرَسُوسَ، وَلَامَهُ عَلَى مُبَايَعَتِهِ عَمَّهُ الْمُعْتَصِمَ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَجَابَهُ إِلَى الْفَتْكِ بِعَمِّهِ الْمُعْتَصِمِ، وَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنَ الْأُمَرَاءِ لَهُ، وَجَهَّزَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَكَانَ نَدِيمًا لِلْعَبَّاسِ، فَأَخَذَ لَهُ الْبَيْعَةَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأُمَرَاءِ فِي الْبَاطِنِ، وَاسْتَوْثَقَ مِنْهُمْ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ يَلِي مَتَى مَا فَتَكَ بِعَمِّهِ، فَلْيَقْتُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ رُءُوسِ أَصْحَابِ الْمُعْتَصِمِ؛ كَالْأَفْشِينِ وَأَشْنَاسَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكِبَارِ، فَلَمَّا كَانُوا بِدَرْبِ الرُّومِ وَهُمْ قَاصِدُونَ إِلَى أَنْقِرَةَ وَمِنْهَا إِلَى عَمُّورِيَةَ أَشَارَ عُجَيْفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute