ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ
اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَمُلُوكُ بَنِي أَيُّوبَ مُفْتَرِقُونَ مُخْتَلِفُونَ، قَدْ صَارُوا أَحْزَابًا وَفِرَقًا، وَقَدِ اجْتَمَعَ مُلُوكُهُمْ إِلَى الْكَامِلِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ مِصْرَ، وَهُوَ مُقِيمٌ بِنَوَاحِي الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُ الْفِرِنْجِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - بِكَثْرَتِهِمْ بِمَنْ وَفَدَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَحْرِ، وَبِمَوْتِ الْمُعَظَّمِ وَاخْتِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُلُوكِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدُّوا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ النَّاصِرُ صَلَاحُ الدِّينِ أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَوَقَعَتِ الْمُصَالَحَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُلُوكِ أَنْ يَرُدُّوا لَهُمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَحْدَهُ، وَتَبْقَى بِأَيْدِيهِمْ بَقِيَّةٌ، فَتَسَلَّمُوا الْقُدْسَ الشَّرِيفَ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ قَدْ هَدَمَ أَسْوَارَهُ فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِدًّا، وَحَصَلَ وَهْنٌ شَدِيدٌ وَإِرْجَافٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
ثُمَّ قَدِمَ الْمَلِكُ الْكَامِلُ، فَحَاصَرَ دِمَشْقَ، وَضَيَّقَ عَلَى أَهْلِهَا، فَقَطَعَ الْأَنْهَارَ، وَنُهِبَتِ الْحَوَاضِرُ، وَغَلَتِ الْأَسْعَارُ، وَلَمْ يَزَلِ الْجُنُودُ حَوْلَهَا حَتَّى أَخْرَجَ مِنْهَا ابْنَ أَخِيهِ صَلَاحِ الدِّينِ الْمَلِكَ النَّاصِرَ دَاوُدَ بْنَ الْمُعَظَّمِ، عَلَى أَنْ يُقِيمَ مَلِكًا بِمَدِينَةِ الْكَرَكِ وَالشَّوْبَكِ وَنَابُلُسَ وَقَرَايَا مِنَ الْغَوْرِ وَالْبَلْقَاءِ، وَيَكُونُ الْأَمِيرُ عِزُّ الدِّينِ أَيْبَكُ أُسْتَاذُ دَارِ الْمُعَظَّمِ صَاحِبَ صَرْخَدَ، ثُمَّ تَقَايَضَ الْأَشْرَفُ وَأَخُوهُ الْكَامِلُ، فَأَخَذَ الْأَشْرَفُ دِمَشْقَ وَأَعْطَى أَخَاهُ حَرَّانَ وَالرُّهَا وَرَأْسَ الْعَيْنِ وَالرَّقَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute