للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَ؟ أَعْتَرَضَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ خُصُومَةٌ عِنْدِي، فَعَمَدَ أَحَدُهُمَا إِلَى رُطَبِ السُّكَّرِ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَ أَنِّي أُحِبُّهُ، فَأَهْدَى إِلَيَّ مِنْهُ طَبَقًا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَدَدْتُهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَا وَجَلَسَا لِلْحُكُومَةِ، لَمْ يَسْتَوِيَا عِنْدِي فِي قَلْبِي وَلَا نَظَرِي، وَمَالَ قَلْبِي إِلَى الْمُهْدِي مِنْهُمَا، هَذَا وَمَا قَبِلْتُ مِنْهُ، فَكَيْفَ لَوْ قَبِلْتُ مِنْهُ؟! فَأَعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَفَا اللَّهُ عَنْكَ. فَأَعْفَاهُ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الرَّشِيدِ يَوْمًا وَعِنْدَهُ عَافِيَةُ الْقَاضِي، وَقَدْ أَحْضَرَهُ لِأَنَّ قَوْمًا اسْتَعَدَوْا عَلَيْهِ إِلَى الرَّشِيدِ، فَجَعَلَ الرَّشِيدُ يُوقِفُهُ عَلَى مَا قِيلَ عَنْهُ، وَهُوَ يُجِيبُ الْخَلِيفَةَ عَمَّا يَسْأَلُهُ، وَطَالَ الْمَجْلِسُ، فَعَطَسَ الْخَلِيفَةُ، فَشَمَّتَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُشَمِّتْهُ عَافِيَةُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ لَمْ تُشَمِّتْنِي مَعَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ. وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: ارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ لِتَفْعَلَ مَا قِيلَ عَنْكَ، وَأَنْتَ لَمْ تُسَامِحْنِي فِي عَطْسَةٍ. وَرَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا إِلَى وِلَايَتِهِ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ سِيبَوَيْهِ إِمَامُ النُّحَاةِ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَرٍ أَبُو بِشْرٍ، الْمَعْرُوفُ بِسِيبَوَيْهِ النَّحْوِيِّ، مَوْلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَقِيلَ: مَوْلَى آلِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ سِيبَوَيْهِ; لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُرَقِّصُهُ وَتَقُولُ لَهُ ذَلِكَ، وَمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>