للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَزِيرِ ابْنِ الْفُرَاتِ، فَكَانَ بِبَغْدَادَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْفَظَاعَةِ وَالشَّنَاعَةِ، وَلَمَّا سَأَلَ الْخَلِيفَةُ عَنِ الْخَبَرِ، ذُكِرَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ نِسْوَةُ الْحَجِيجِ، وَمَعَهُنَّ نِسَاءُ الَّذِينَ صَادَرَهُمُ ابْنُ الْفُرَاتِ، وَجَاءَتْ عَلَى يَدِ الْحَاجِبِ نَصْرٍ الْقُشُورِيِّ الْمَشُورَةُ عَلَى الْوَزِيرِ، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا اسْتَوْلَى هَذَا الْقِرْمِطِيُّ بِسَبَبِ إِبْعَادِكَ الْمُظَفَّرَ مُؤْنِسًا الْخَادِمَ، فَطَمِعَ هَؤُلَاءِ فِي الْأَطْرَافِ، وَمَا أَشَارَ عَلَيْكَ بِإِبْعَادِهِ إِلَّا ابْنُ الْفُرَاتِ. وَبَعَثَ الْخَلِيفَةُ الْمُقْتَدِرُ إِلَى الْوَزِيرِ ابْنِ الْفُرَاتِ، يَقُولُ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ فِيكَ لِنُصْحِكَ إِيَّايَ. وَأَرْسَلَ يُطَيِّبُ قَلْبَهُ، فَرَكِبَ هُوَ وَوَلَدُهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ فَدَخَلَا عَلَيْهِ، فَأَكْرَمَهُمَا وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمَا، وَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَنَالَهُ أَذًى كَثِيرٌ مِنْ نَصْرٍ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ، وَجَلَسَ الْوَزِيرُ فِي دَسْتِهِ، فَحَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى عَادَتِهِ، وَبَاتَ لَيْلَتَهُ تِلْكَ مُفَكِّرًا فِي أَمْرِهِ، وَأَصْبَحَ كَذَلِكَ وَهُوَ يَنْشُدُ:

فَأَصْبَحَ لَا يَدْرِي وَإِنْ كَانَ حَازِمًا ... أَقُدَّامَهُ خَيْرٌ لَهُ أَمْ وَرَاءَهُ

ثُمَّ جَاءَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَمِيرَانِ مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ الْمُقْتَدِرِ فَدَخَلَا عَلَيْهِ دَارَهُ إِلَى بَيْنِ حَرَمِهِ، وَأَخْرَجُوهُ مَكْشُوفًا رَأْسُهُ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْمَذَلَّةِ وَالْإِهَانَةِ، فَأَرْكَبُوهُ فِي حَرَّاقَةٍ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ. وَفَهِمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَرَجَمُوا ابْنَ الْفُرَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>