وَ " الْحِلْيَةَ " لِأَبِي نُعَيْمٍ، وَ " الْإِبَانَةَ " لِابْنِ بَطَّةَ، وَكَتَبَ مَصَاحِفَ كَثِيرَةً لِلنَّاسِ وَلِأَهْلِهِ لَا بِأُجْرَةٍ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ، وَالتَّهَجُّدِ، يَصُومُ الدَّهْرَ، حَسَنَ الشَّكْلِ، نَحِيلَ الْجِسْمِ، عَلَيْهِ أَنْوَارُ الْعِبَادَةِ، لَا يَزَالُ مُتَبَسِّمًا، وَكَانَ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَيُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ أَلْفَ مَرَّةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] ، وَكَانَ يَزُورُ مَغَارَةَ الدَّمِ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، وَيَجْمَعُ فِي طَرِيقِهِ الشِّيحَ، فَيُعْطِيهِ الْأَرَامِلَ وَالْمَسَاكِينَ، وَمَهْمَا تَهَيَّأَ لَهُ مِنْ فُتُوحٍ وَغَيْرِهِ يُؤْثِرُ بِهِ أَهْلَهُ وَالْمَسَاكِينَ، وَكَانَ مُتَقَلِّلًا فِي الْمَلْبَسِ، وَرُبَّمَا مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ لَا يَلْبَسُ فِيهَا سَرَاوِيلَ وَلَا قَمِيصًا. وَكَانَ يَقْطَعُ مِنْ عِمَامَتِهِ قِطَعًا يَتَصَدَّقُ بِهَا أَوْ فِي تَكْمِيلِ كَفَنِ مَنْ يَعُوزُ كَفَنُهُ، وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ وَابْنُ خَالِهِمُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَأَخُوهُ الشَّيْخُ الْعِمَادُ لَا يَنْقَطِعُونَ عَنْ غَزَاةٍ يَخْرُجُ فِيهَا الْمَلِكُ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، وَقَدْ حَضَرُوا مَعَهُ فَتْحَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهَا، وَجَاءَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ أَبُو بَكْرٍ يَوْمًا إِلَى خَيْمَتِهِمْ لِزِيَارَةِ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَمَا قَطَعَ صَلَاتَهُ وَلَا أَوْجَزَهَا، بَلِ اسْتَمَرَّ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي شَرَعَ فِي بِنَاءِ الْجَامِعِ أَوَّلًا بِمَالِ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ، فَنَفِدَ مَا كَانَ بِيَدِهِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ قَامَةً، فَبَعَثَ صَاحِبُ إِرْبِلَ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ كُوكُبُرِي مَالًا فَكَمَلَ، وَوَلِيَ خَطَابَتَهُ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ، فَكَانَ يَخْطُبُ بِهِ وَعَلَيْهِ لِبَاسُهُ الضَّعِيفُ، وَعَلَيْهِ أَنْوَارُ الْخَشْيَةِ وَالتَّقْوَى، وَإِنَّمَا كَانَ الْمِنْبَرُ الَّذِي فِيهِ ثَلَاثُ مَرَاقٍ، وَالرَّابِعَةُ لِلْجُلُوسِ كَمَا كَانَ الْمِنْبَرُ النَّبَوِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute