تُهْدِي إِلَيْهِ فِي كُلِّ لَيْلَةِ جُمْعَةٍ جَارِيَةً حَسْنَاءَ بِكْرًا فَقَالَتْ لِأُمِّهِ: أَدْخِلِينِي عَلَيْهِ فِي صِفَةِ جَارِيَةٍ مِنْ تِلْكَ الْجَوَارِي فَهَابَتْ مِنْ تِلْكَ، فَتَهَدَّدَتْهَا حَتَّى فَعَلَتْ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَتَحَقَّقُ وَجْهَهَا مِنْ مَهَابَةِ الرَّشِيدِ، فَوَاقَعَهَا فَقَالَتْ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ خَدِيعَةَ بَنَاتِ الْمُلُوكِ. فَقَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْعَبَّاسَةُ. وَحَمَلَتْ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا. بِعْتِينِي وَاللَّهِ بِرَخِيصٍ. ثُمَّ إِنَّ وَالِدَهُ يَحْيَى بْنَ خَالِدٍ جَعَلَ يُضَيِّقُ عَلَى عِيَالِ الرَّشِيدِ فِي النَّفَقَةِ، حَتَّى شَكَتْهُ إِلَى الرَّشِيدِ زُبَيْدَةُ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَفْشَتْ لَهُ سِرَّ الْعَبَّاسَةِ، فَاسْتَشَاطَ غَضَبًا، وَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ أَرْسَلَتْ بِهِ إِلَى مَكَّةَ حَجَّ عَامَهُ ذَلِكَ حَتَّى تَحَقَّقَ الْأَمْرَ. وَيُقَالُ: إِنَّ بَعْضَ الْجَوَارِي نَمَّتْ عَلَيْهَا إِلَى الرَّشِيدِ، وَأَخْبَرَتْهُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ، وَأَنَّ الْوَلَدَ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَهُ جَوَارٍ وَمَعَهُ أَمْوَالٌ وَحُلِيٌّ كَثِيرٌ، فَلَمْ يُصَدِّقْ حَتَّى حَجَّ فِي السَّنَةِ الْحَالِيَّةِ، فَكَشَفَ عَنِ الْحَالِ، فَإِذَا هُوَ كَمَا ذَكَرَتْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ.
وَقَدْ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ يَحْيَى بْنُ خَالِدٍ الْوَزِيرُ، وَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْغَضَبَ مِنَ الرَّشِيدِ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو عِنْدَ الْكَعْبَةِ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ عَنِّي سَلْبُ مَالِيَ وَوَلَدِي وَأَهْلِي فَافْعَلْ ذَلِكَ بِي، وَأَبْقِ عَلَيَّ مِنْهُمُ الْفَضْلَ. ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ رَجَعَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ وَالْفَضْلُ مَعَهُمْ، فَإِنِّي رَاضٍ بِرِضَاكَ عَنِّي وَلَا تَسْتَثْنِ مِنْهُمْ أَحَدًا.
فَلَمَّا قَفَلَ الرَّشِيدُ مِنَ الْحَجِّ صَارَ إِلَى الْحِيرَةِ، ثُمَّ رَكِبَ فِي السُّفُنِ إِلَى الْعُمْرِ مِنْ أَرْضِ الْأَنْبَارِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ أَرْسَلَ مَسْرُورًا الْخَادِمَ، وَمَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَالِمٍ أَبُو عِصْمَةَ فِي جَمَاعَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute