قَالَ: وَمَا الشَّاهِدُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكَ؟ قَالَ: تُجَرِّبُهُ، قَالَ: فِيمَنْ؟ قَالَ: فِي السَّاقِي، قَالَ: وَيْحَكَ، لَا أَسْتَحِلُّ ذَلِكَ، قَالَ: فَفِي دَجَاجَةٍ، قَالَ: إِنَّ التَّمْثِيلَ بِالْحَيَوَانِ لَا يَجُوزُ، ثُمَّ أَمَرَ بِصَبِّ مَا فِي ذَلِكَ الْقَدَحِ، وَقَالَ لِلسَّاقِي: لَا تَدْخُلْ دَارِي بَعْدَ هَذَا، وَلَمْ يَقْطَعْ عَنْهُ مَعْلُومَهُ.
وَقَدْ عَمِلَ عَلَيْهِ الْوَزِيرُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ ذِي الْكِفَايَتَيْنِ حَتَّى عَزَلَهُ عَنْ وِزَارَةِ مُؤَيِّدِ الدَّوْلَةِ، وَبَاشَرَهَا عِوَضَهُ، وَاسْتَمَرَّ مُدَّةً، فَبَيْنَمَا هُوَ لَيْلَةً فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ أَصْحَابُهُ وَنُدَمَاؤُهُ وَهُوَ فِي أَتَمِّ سُرُورٍ، قَدْ هُيِّئَ لَهُ مَجْلِسٌ حَافِلٌ بِأَنْوَاعِ اللَّذَّاتِ، مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالتُّحَفِ، وَقَدْ نَظَّمَ أَبْيَاتًا، وَالْمُغَنُّونَ يُلَحِّنُونَهَا لَهُ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الطَّرَبِ وَالسُّرُورِ وَالْفَرَحِ، وَهِيَ هَذِهِ:
دَعَوْتُ الْهَنَا وَدَعَوْتُ الْعُلَا ... فَلَمَّا أَجَابَا دَعَوْتُ الْقَدَحْ
وَقُلْتُ لِأَيَّامِ شَرْخِ الشَّبَابِ ... إِلَيَّ فَهَذَا أَوَانُ الْفَرَحْ
إِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ آمَالَهُ ... فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهَا مُنْتَزَحْ
ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: بَاكِرُونِي غَدًا إِلَى الصَّبُوحِ، وَنَهَضَ إِلَى بَيْتِ مَنَامِهِ، فَمَا أَصْبَحَ حَتَّى قَبَضَ عَلَيْهِ مُؤَيِّدُ الدَّوْلَةِ، وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا فِي دَارِهِ مِنَ الْحَوَاصِلِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَعَلَهُ مُثْلَةً فِي الْعِبَادِ، وَأَعَادَ إِلَى وِزَارَتِهِ الصَّاحِبَ بْنَ عَبَّادٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، أَنَّ الصَّاحِبَ بْنَ عَبَّادٍ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَاءَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute