للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ قَضَاءَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَامْتَثَلَ الْمَهْدِيُّ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَأَحْرَمَ الْمَنْصُورُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مِنَ الرُّصَافَةِ، وَسَاقَ بُدُنَهُ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي وُلِدْتُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ لِي أَنِّي أَمُوتُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَدَانِي عَلَى الْحَجِّ عَامِي هَذَا. وَوَدَّعَهُ وَسَارَ، وَاعْتَرَاهُ مَرَضُ الْمَوْتِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَمَا دَخَلَ مَكَّةَ إِلَّا وَهُوَ مُثْقَلٌ جِدًّا، فَلَمَّا كَانَ بِآخِرِ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ دُونَ مَكَّةَ إِذَا فِي صَدْرِ مَنْزِلِهِ مَكْتُوبٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

أَبَا جَعْفَرٍ حَانَتْ وَفَاتُكَ وَانْقَضَتْ ... سُنُوكَ وَأَمْرُ اللَّهِ لَا بُدَّ وَاقِعُ

أَبَا جَعْفَرٍ هَلْ كَاهِنٌ أَوْ مُنَجِّمٌ ... لَكَ الْيَوْمَ مِنْ كَرْبِ الْمَنِيَّةِ مَانِعُ

فَدَعَا بِالْحَجَبَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَعَرَفَ أَنَّ أَجْلَهُ قَدْ نُعِيَ إِلَيْهِ.

قَالُوا: وَرَأَى الْمَنْصُورُ فِي مَنَامِهِ، وَيُقَالُ: بَلْ هَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ، وَهُوَ يَقُولُ:

أَمَا وَرَبِّ السُّكُونِ وَالْحَرَكْ ... إِنَّ الْمَنَايَا كَثِيرَةُ الشَّرَكْ

عَلَيْكِ يَا نَفْسُ إِنْ أَسَأْتِ وَإِنْ ... أَحْسَنْتِ يَا نَفْسُ كَانَ ذَاكَ لَكْ

مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا ... دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكْ

إِلَّا بِنَقْلِ السُّلْطَانِ عَنْ مَلِكٍ ... إِذَا انْقَضَى مُلْكُهُ إِلَى مَلِكْ

حَتَّى يَصِيرَا بِهِ إِلَى مَلِكٍ ... مَا عَزَّ سُلْطَانُهُ بِمُشْتَرَكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>