للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَلِيفَةٌ فَرَّقَ مِثْلَ هَذَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.

وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ عِنْدَ الْمَنْصُورِ: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد: ٢٤] . فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الْمَالَ حِصْنٌ لِلسُّلْطَانِ وَدِعَامَةٌ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَعِزُّهُمَا وَزِينَتُهُمَا مَا بِتُّ لَيْلَةً وَاحِدَةً وَأَنَا أُحْرِزُ مِنْهُ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا; لِمَا أَجِدُ لِبَذْلِ الْمَالِ مِنَ اللَّذَاذَةِ، وَلِمَا أَعْلَمُ فِي إِعْطَائِهِ مِنْ جَزِيلِ الْمَثُوبَةِ.

وَقَرَأَ عِنْدَهُ قَارِئٌ آخَرُ: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩] . فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا أَدَّبَنَا رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ!

وَقَالَ الْمَنْصُورُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي; عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَادَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَسْخِيَاءُ، وَفِي الْآخِرَةِ الْأَتْقِيَاءُ.

وَلَمَّا عَزَمَ الْمَنْصُورُ عَلَى الْحَجِّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ - دَعَا وَلَدَهُ الْمَهْدِيَّ وَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَأَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَفِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَبِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَفْعَلُ الْأَشْيَاءَ، وَيَسُدُّ الثُّغُورَ بِوَصَايَا يَطُولُ بَسْطُهَا، وَحَرَّجَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ خَزَائِنِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ وَفَاتَهُ; فَإِنَّ بِهَا مِنَ الْأَمْوَالِ مَا يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ لَوْ لَمْ يُجْبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ دِرْهَمٌ عَشْرَ سِنِينَ، وَعَهِدَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>