فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَنَقَلَهَا إِلَى الْحَرِيمِ، وَأَخْدَمَهَا جَارِيَتَيْنِ، وَرَتَّبَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ رِطْلًا مِنْ خُبْزٍ، وَأَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ لَحْمًا، وَلَا يَفِي هَذَا قِيرَاطًا مِمَّا فَعَلَهُ بِوَلَدِهَا وَبِأَهْلِ السُّنَّةِ.
[فَصْلٌ]
وَلَمَّا تَخَلَّصَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْبَكُ مِنْ حَصْرِهِ بِهَمَذَانَ، وَقَاتَلَ أَخَاهُ إِبْرَاهِيمَ، وَأَسَرَهُ وَقَتَلَهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْ أَمْرِهِ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ، وَاسْتَقَرَّ حَالُهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مُنَازِعٌ، كَتَبَ إِلَى قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ، مِنَ الْأَعْرَابِ، يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُعَادَ الْخَلِيفَةُ إِلَى دَارِهِ، عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَتَوَعَّدَهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ بَأْسًا شَدِيدًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ يَتَلَطَّفُ بِهِ، وَيُسَالِمُهُ، وَيَقُولُ: أَنَا مَعَكَ عَلَى الْبَسَاسِيرِيِّ بِكُلِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، حَتَّى يُمَكِّنَ اللَّهُ مِنْهُ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ أَتَسَرَّعَ فِي أَمْرٍ يَكُونُ فِيهِ عَلَى الْخَلِيفَةِ مَفْسَدَةٌ، أَوْ يَبْدُرَ إِلَيْهِ أَحَدٌ بِأَذِيَّةٍ، وَلَكِنِّي سَأَعْمَلُ لِمَا أَمَرْتَنِي بِكُلِّ مَا يُمْكِنُنِي. وَأَمَرَ بِرَدِّ امْرَأَةِ الْخَلِيفَةِ الْخَاتُونِ الْمُعَظَّمَةِ أَرْسَلَانَ خَاتُونَ إِلَى دَارِهَا وَقَرَارِهَا. ثُمَّ إِنَّهُ رَاسَلَ الْبَسَاسِيرِيَّ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِعَوْدِ الْخَلِيفَةِ إِلَى دَارِهِ، وَخَوْفِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ، وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: إِنَّكَ دَعَوْتَنَا إِلَى طَاعَةِ الْمُسْتَنْصِرِ صَاحِبِ مِصْرَ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِتُّمِائَةِ فَرْسَخٍ، وَلَمْ يَأْتِنَا مِنْ جِهَتِةِ رَسُولٌ وَلَا أَحَدٌ، وَلَمْ يُفَكِّرْ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِ، وَهَذَا الْمَلِكُ مِنْ وَرَائِنَا بِالْمِرْصَادِ. وَجَاءَ كِتَابٌ مِنَ الْمَلِكِ طُغْرُلْبَكَ عُنْوَانُهُ: إِلَى الْأَمِيرِ الْجَلِيلِ عَلَمِ الدِّينِ أَبِي الْمَعَالِي قُرَيْشِ بْنِ بَدْرَانَ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ شَاهِنْشَاهَ الْمُعْظَّمِ مَلِكِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ طُغْرُلْبَكَ أَبِي طَالِبٍ مُحَمَّدِ بْنِ مِيكَائِيلَ بْنِ سَلْجُوقَ. وَعَلَى رَأْسِ الْكِتَابِ الْعَلَامَةُ السُّلْطَانِيَّةُ بِخَطِّ السُّلْطَانِ: حَسْبِي اللَّهُ. وَكَانَ فِي الْكِتَابِ: وَالْآنَ قَدْ سَرَتْ بِنَا الْمَقَادِيرُ إِلَى قِتَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute