هَذَا الْيَوْمِ بَشْرٌ كَثِيرٌ أَيْضًا، وَذَلَّتْ لِهَذِهِ الْوَقْعَةِ رِقَابُ الْفُرْسِ، وَتَمَكَّنَ الصَّحَابَةُ مِنَ الْغَارَاتِ فِي بِلَادِهِمْ فِيمَا بَيْنَ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، فَغَنِمُوا شَيْئًا عَظِيمًا لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ، وَجَرَتْ أُمُورٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا بَعْدَ يَوْمِ الْبُوَيْبِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ بِالْعِرَاقِ نَظِيرَ الْيَرْمُوكِ بِالشَّامِ. وَقَدْ قَالَ الْأَعْوَرُ الشَّنِّيُّ الْعَبْدِيُّ فِي ذَلِكَ:
هَاجَتْ لِأَعْوَرَ دَارُ الْحَيِّ أَحْزَانَا ... وَاسْتَبْدَلَتْ بَعْدَ عَبَدِ الْقَيْسِ خَفَّانَا
وَقَدْ أَرَانَا بِهَا وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ ... إِذْ بِالنُّخَيْلَةِ قَتْلَى جُنْدِ مِهْرَانَا
إِذْ كَانَ سَارَ الْمُثَنَّى بِالْخُيُولِ لَهُمْ ... فَقَتَّلَ الزَّحْفَ مِنْ فُرْسٍ وَجِيلَانَا
سَمَا لِمِهْرَانَ وَالْجَيْشِ الَّذِي مَعَهُ ... حَتَّى أَبَادَهُمُ مَثْنَى وَوُحْدَانَا
[بَعْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْعِرَاقِ]
فَصْلٌ بَعْثُ عُمَرَ بْنِ الْخِطَابِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْعِرَاقِ.
ثُمَّ بَعَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيَّ أَحَدَ الْعَشَرَةِ، فِي سِتَّةِ آلَافٍ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ، وَكَتَبَ إِلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ أَنْ يَكُونَا تَبَعًا لَهُ، وَأَنْ يَسْمَعَا لَهُ وَيُطِيعَا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْعِرَاقِ كَانَا مَعَهُ، وَكَانَا قَدْ تَنَازَعَا الْإِمْرَةَ، فَالْمُثَنَّى يَقُولُ لِجَرِيرٍ: إِنَّمَا بَعَثَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَدَدًا لِي. وَيَقُولُ جَرِيرٌ: إِنَّمَا بَعَثَنِي أَمِيرًا عَلَيْكَ. فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدٌ عَلَى إِمْرَةِ الْعِرَاقِ انْقَطَعَ نِزَاعُهُمَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَتُوُفِّيَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَعْثَ عُمَرَ سَعْدًا إِنَّمَا كَانَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute