لِلْفِرِنْجِ فَأَقْبَلُوا بِقَضِّهِمْ، وِقَضِيضِهِمْ فَتَلَقَّاهُمُ الْمَلِكُ الْعَادِلُ بِمَرْجِ عَكَّا فَكَسَرَهُمْ وَغَنِمَهُمْ وَفَتَحَ يَافَا عَنْوَةً؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ كَانُوا كَتَبُوا إِلَى مَلِكِ الْأَلْمَانِ يَسْتَنْهِضُونَهُ لِفَتْحِ بَيْتِ الْمَقَدْسِ فَقَدَّرَ اللَّهُ هَلَاكَهُ سَرِيعًا، وَأَخَذَتِ الْفِرِنْجُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَيْرُوتَ مِنْ نَائِبِهَا عِزِّ الدِّينِ شَامَةَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا نِزَالٍ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي الْأَمِيرِ شَامَةَ:
سَلِّمِ الْحِصْنَ مَا عَلَيْكَ مَلَامَهْ ... مَا يُلَامُ الَّذِي يَرُومُ السَّلَامَهْ
فَعَطَاءُ الْحُصُونِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ ... سُنَّةٌ سَنَّهَا بِبَيْرُوتَ شَامَهْ
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنِ الْأَعْيَانِ]
وَمَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلِكُ الْفِرِنْجِ كُنْدَهِرِيٌّ ; سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ فَمَاتَ، فَبَقِيَتِ الْفِرِنْجُ كَالْغَنَمِ بِلَا رَاعٍ، حَتَّى مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ صَاحِبَ قُبْرُسَ وَزَوَّجُوهُ بِالْمَلِكَةِ امْرَأَةِ كُنْدَهِرِيٍّ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، فَفِي كُلِّهَا يَسْتَظْهِرُ عَلَيْهِمْ وَيَكْسِرَهُمْ، وَيَقْتُلُ خَلْقًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ؛ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ مَعَهُ حَتَّى طَلَبُوا الصُّلْحَ وَالْمُهَادَنَةَ، فَعَاقَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ مَلِكُ الْيَمَنِ سَيْفُ الْإِسْلَامِ طُغْتِكِينُ
أَخُو السُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَكَانَ يَسْبِكُ الذَّهَبَ مِثْلَ الطَّوَاحِينِ وَيَدَّخِرُهُ كَذَلِكَ، وَقَامَ فِي الْمُلْكِ بَعْدَهُ وَلَدُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَكَانَ أَهْوَجَ قَلِيلَ التَّدْبِيرِ، فَحَمَلَهُ جَهْلُهُ عَلَى أَنِ ادَّعَى أَنَّهُ قُرَشِيٌّ أُمَوِيٌّ، وَتَلَقَّبَ بِالْهَادِي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute