للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُعُونَةٍ بِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ أَقَامَ خَالِدٌ هُنَالِكَ بَعْدَ صُلْحِ الْحِيرَةِ سَنَةً يَتَرَدَّدُ فِي بِلَادِ فَارِسَ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَيُوقِعُ بِأَهْلِهَا مِنَ الْبَأْسِ الشَّدِيدِ، وَالسَّطْوَةِ الْبَاهِرَةِ، مَا يُبْهِرُ الْأَبْصَارَ لِمَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ، وَيُشَنِّفُ أَسْمَاعَ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ، وَيُحَيِّرُ الْعُقُولَ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ.

[غَزْوَةُ ذَاتِ الْعُيُونِ]

فَتْحُ خَالِدٍ لِلْأَنْبَارِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْغَزْوَةُ ذَاتَ الْعُيُونِ.

رَكِبَ خَالِدٌ فِي جُيُوشِهِ، فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَنْبَارِ وَعَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ أَعْقَلِ الْفُرْسِ وَأَسْوَدِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، يُقَالُ لَهُ: شِيرْزَاذُ. فَأَحَاطَ بِهَا خَالِدٌ وَعَلَيْهَا خَنْدَقٌ وَحَوْلَهُ أَعْرَابٌ مِنْ قَوْمِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَاجْتَمَعَ مَعَهُمْ أَهْلُ أَرْضِهِمْ، فَمَانَعُوا خَالِدًا أَنْ يَصِلَ إِلَى الْخَنْدَقِ، فَضَرَبَ مَعَهُمْ رَأْسًا، وَلَمَّا تَوَاجَهَ الْفَرِيقَانِ أَمَرَ خَالِدٌ أَصْحَابَهُ فَرَشَقُوهُمْ بِالنِّبَالِ حَتَّى فَقَئُوا مِنْهُمْ أَلْفَ عَيْنٍ، فَتَصَايَحَ النَّاسُ: ذَهَبَتْ عُيُونُ أَهْلِ الْأَنْبَارِ. فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ ذَاتَ الْعُيُونِ، فَرَاسَلَ شِيرْزَاذُ خَالِدًا فِي الصُّلْحِ، فَاشْتَرَطَ خَالِدٌ أُمُورًا امْتَنَعَ شِيرْزَاذُ مِنْ قَبُولِهَا، فَتَقَدَّمَ خَالِدٌ إِلَى الْخَنْدَقِ فَاسْتَدْعَى بِرَذِيِّ الْأَمْوَالِ مِنَ الْإِبِلِ فَذَبَحَهَا حَتَّى رَدَمَ الْخَنْدَقَ بِهَا، وَجَازَ هُوَ وَأَصْحَابَهُ فَوْقَهَا، فَلَمَّا رَأَى شِيرْزَاذُ ذَلِكَ أَجَابَ إِلَى الصُّلْحِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا خَالِدٌ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ، فَوَفَّى لَهُ خَالِدٌ بِذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>